... التخطي إلى المحتوى

مصطفى عبد العظيم (دبي)

بالتزامن مع النمو المتسارع في وتيرة الاقتصاد الرقمي والتوقعات باتساع حصته في الاقتصاد العالمي لتصل إلى أكثر من 10 تريليونات دولار في غضون السنوات الخمس المقبلة، تبدو دولة الإمارات واحدة من أبرز الاقتصادات العالمية اهتماماً بتنظيم صناعة الأصول الرقمية ووضعها على المسار الصحيح للانطلاق بها إلى اقتصاد المستقبل.
وقال خبراء متخصصون في صناعة الأصول الرقمية لـ«الاتحاد»، إن ما تقوم به دولة الإمارات من جهود كبيرة وفاعلة لتطوير البنية التحتية التشريعية والتنظيمية لهذه الصناعة الوليدة، يجعل منها منافساً عالمياً في هذا القطاع الواعد المرشح لتصدر المشهد العالمي خلال السنوات المقبلة، لافتين إلى أن دولة الإمارات تأتي ضمن عدد محدود من الدول التي تعمل على صياغة منظومة متكاملة للأصول الافتراضية.
ومنح هؤلاء دولة الإمارات ميزات تنافسية عديدة تعزز ريادتها في هذه الصناعة، أبرزها المرونة التشريعية والتنظيمية التي تتمتع بها الإمارات مقارنة بالعديد من الاقتصادات الأخرى المنافسة التي تستغرق سنوات طويلة لتعديل وإصدار تشريعات جديدة تتعلق بتنظيم هذا القطاع بسبب تضاربها مع قوانين وتشريعات أخرى قائمة منذ عقود طويلة ويصعب التعامل معها، وكذلك البنية التحتية الجاذبة للشركات العالمية المتخصصة من تكنولوجيا رقمية ومراكز مالية عالمية، وهو ما يسهم في جذب أكبر الشركات العالمية المتخصصة، فضلاً عن سهول توفير وجذب وبناء المواهب والكفاءات في هذه الصناعة عبر مميزات ومحفزات تتعلق بالإقامات، وكذلك من خلال مخرجات التعليم الجامعي المتخصص.
أكد الخبراء أن الخطوات المتسارعة والمرنة التي اتخذتها كل من أبوظبي ودبي خلال السنوات القليلة الماضية لتنظيم الأصول الافتراضية، والتي كان أبرزها تقديم سوق أبوظبي العالمي لأول إطار تنظيمي شامل لتداول الأصول الافتراضية في العالم في عام 2018، ودراسة إطلاق استراتيجية «البلوك تشين» والأصول المشفرة في أبوظبي، وتأسيس سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية، وإطلاق مجموعة عمل دبي للأصول الرقمية، لتولي مهام تعزيز وتحسين مساهمة القطاع الصاعد في مسيرة التنمية المستدامة في دولة الإمارات وإمارة دبي، تؤكد جميعها أن منظومة الأصول الرقمية في دولة الإمارات آخذة في التشكل والوضوح بوتيرة متسارعة، ما يؤهلها لتبوء مواقع الصدارة العالمية. وذكروا أن هذه الإنجازات دفعت أكبر 100 شركة ومنصة عالمية متخصصة في الأصول المشفرة لتوجيه بوصلتها نحو دولة الإمارات لتكون مقراً عالمياً أو إقليمياً لعملياتها.

وقال جورانج ديساي رئيس مجموعة عمل دبي للأصول الرقمية، في تصريحات لـ«الاتحاد»، إن دولة الإمارات العربية المتحدة مهيأة لتحتل المراكز الأولى عالمياً في قطاع الأصول الرقمية، مشيراً إلى أن فكرة تأسيس الجمعية، تهدف إلى تشكيل منصة رسمية تدعم بناء وصياغة المشهد المالي المستقبلي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ودعم تكامل الطموحات المحلية مع الاقتصاد العالمي، والتعاون مع المنظمات المماثلة حول العالم.
وأكد ديساي أن من الأشياء المهمة والمواتية التي تسهم في ترسيخ ريادة دولة الإمارات في هذا القطاع، أنه ما زال قطاع جديد على الجهات التنظيمية عالمياً، وأن الإمارات تتمتع بمرونة فريدة، فهي دولة شابة مقارنة بجميع البلدان المتقدمة المنافسة الأخرى، مما يسهل التكيف التشريعي والتنظيمي بشكل أسرع وتنفيذ الخطوات الجديدة بسرعة دون المساس بأسس الأعمال الصلبة.
 الإمارات محور عالمي للأصول الرقمية
وقال: إن تأسيس المجموعة يواكب طموح دبي في أن تصبح المركز العالمي لمنظومة الأصول الرقمية، وتأسسيها لسُلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضيّة (VARA)، وبصفتنا متخصصين في هذا المجال ومن منطلق معرفتنا واسعة النطاق في مجالات مختلفة، من التنظيم إلى التطوير والإدارة المتكاملة للمنظومة وخدمات الاستشارات والإدارة، فقد اجتمعنا كمجموعة تضم حالياً نحو 25 عضواً لتشكيل جمعية من أجل المساعدة في الارتقاء بالمعايير في القطاع، والمساعدة في رفع الوعي وإشراك الجهات التنظيمية والقطاع في حوار منظم، بهدف مناقشة الأفكار الجديدة، ومناقشة المقترحات التنظيمية، والمساعدة في وضع حدود التشغيل الآمن للقطاع وتحول التركيز من الاقتصاد التقليدي أو التمويل التقليدي إلى التمويل اللامركزي أو الأصول الرقمية، والتي لها استخدامات هائلة جداً في الحياة اليومية.
وأوضح أن أعضاء المجموعة التي تشكلت تحت مظلة غرفة دبي الرقمية، وهي أيضاً مبادرة أطلقتها حكومة دبي بهدف دعم الاقتصاد الرقمي، يمثلون مجالات شتى مثل البورصات، والاستشارات، ومكاتب المحاماة، وشركات الخدمات الإدارية، وشركات التمويل التقليدية، و«البلوك تشين»، وكيانات الترميز، وكيانات الخدمات المالية، مشيراً إلى أن طموح المجموعة هو الوصول إلى 2500 عضو خلال خمس سنوات من الآن، حيث سيتم فتح الأبواب لجميع الشركات وكذلك الأفراد، بحيث يمكن للأشخاص الموجودين في هذا القطاع أو حتى رواد الأعمال الشباب المهتمين بالقطاع الانضمام إلى الجمعية.

استشراف المستقبل
من جهته، أكد بهافين شاه، رئيس مكتب الشرق الأوسط وأفريقيا لتحالف المخاطر القانونية في مركز دبي المالي العالمي (FRA)، أن ولوج دولة الإمارات إلى اقتصاد الأصول الرقمية يجسد طموحاتها كدولة متطلعة تستشرف المستقبل، مشيراً إلى أن اقتصاد العملات المشفرة هو أحد أدوات اقتصاد المستقبل، منوهاً بالسمعة الكبيرة التي حققتها الإمارات خلال فترة قصيرة في هذا المجال حتى بات يطلق على دبي بأنها «وول ستريت» الجديدة لاقتصاد العملات الرقمية ومنافس قوي للمراكز المالية الكبرى في عالم العملات المشفرة مثل نيويورك ومومباي وهونج كونج، ولندن وطوكيو.
وأضاف أن دولة الإمارات مؤهلة لأن تصبح أحد المراكز العالمية المهمة، وهذا جزء مهم جداً لأن طموح مجموعة دبي للأصول الرقمية للأعمال وتطلع دولة الإمارات لا يقتصر فقط على دخول دولة الإمارات القطاع، بل تحقيق الريادة العالمية.
واستكمل شاه: «نرى بالفعل الكثير من المبادرات التي أطلقتها دبي ودولة الإمارات على نطاق أوسع، لدينا وزارة للذكاء الاصطناعي، وتركيز خاص على الاقتصاد الرقمي الذي تقوده دولة الإمارات على المستوى الاتحادي. وتشارك وزارة الاقتصاد نفسها في جذب بعض الاستثمارات الأجنبية المباشرة الكبيرة في هذا الاقتصاد الرقمي وفضاء العملات المشفرة، وهذا ما يضفي المزيد من النضج، إلى سوق العملات المشفرة عالمياً بسبب الإرادة السياسية وعزم الحكومة على دعم هذا القطاع، ولكن بطريقة قوية». 

وجهة المنصات العالمية
وقال شاه، إن دولة الإمارات نجحت في غضون فترة قصيرة في أن تهيأ بنيتها التحتية والتنظيمية لتصبح جاذبة للجهات العالمية الفعالة في هذا المجال والتي تنظر إلى دولة الإمارات كوجهة مفضلة لاستضافة مقراتهم العالمية، أو على الأقل مقر إقليمي، على غرار منصة بينانس وإف تي إكس، أو تراكين، وكريبتو دوت كوم وكوينبيز وبيبايت وجميعها من المنصات التي تتداول بأصول بقيم تتجاوز المليارات من الدولارات.

طلب قوي يتصاعد
ولفت إلى وجود نحو 100 جهة عالمية على الأقل في فضاء الأصول الرقمية، مهتمة بالانتقال إلى دولة الإمارات ومنها من تقدم بالفعل للحصول على التراخيص أو في نقاش مع سُلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضيّة وسوق أبوظبي العالمي أو يتحدث إلى مكاتب المحاماة المختلفة لبحث القدوم إلى لدولة الإمارات، مؤكداً وجود طلب مرتفع بشكل كبير من هذه الجهات، وهذا ما يمكن ملاحظته عبر الموقع الإلكتروني لسُلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضيّة أو الإعلان الأخير لسوق أبوظبي العالمي، والذي يؤكد حرص جميع الأسماء الكبيرة في هذه الصناعة، على التواجد في دولة الإمارات، مما يؤكد أن الدولة باتت لاعباً مهماً بالفعل في هذا الاقتصاد.

بناء وتصدير المواهب
وأضاف أن أحد أهم الأشياء في عالم العملات المشفرة هو جذب المواهب لأنه قطاع متخصص للغاية، فإلى جانب الحاجة إلى أشخاص لديهم خلفية تكنولوجية، فهناك حاجة مماثلة إلى أشخاص ذوي خلفية تجارية، وأشخاص من خلفية تنظيمية وقانونية وسياسية للانضمام إلى هذا القطاع. وبالتالي، أصبحت الإمارات دولة جذابة للغاية لاستقطاب هذا النوع من المواهب، ومن ثم فإن قدرة دولة الإمارات على ضمان المرونة في وضع لوائح جديدة تساعد بالتأكيد في جعل هذا الأمر أكثر استدامة.
وأوضح أن دولة الإمارات تتمتع بتاريخ حافل في بناء مراكز اقتصادية ومالية مستدامة، على غرار مركز دبي المالي العالمي وسوق أبوظبي العالمي، ومدينة دبي للإنترنت، ولا يوجد سبب يمنع من القيام بذلك في شكل اقتصاد للعملات المشفرة، وهذه هي إمكانية بناء هذا المركز، وربما نرى مستقبلاً لمدينة للعملات المشفرة في دبي، وإن كنت أرى أن الأمر لا يقتصر على منطقة جغرافية صغيرة بل على العملات المشفرة، التي ستصبح جزءاً لا يتجزأ من اقتصادنا الأوسع وفي الحياة اليومية وستصبح أقوى بكثير، ما يمكن دبي من أن تصبح واحدة من المراكز العالمية للعملات المشفرة في العالم.

1.2 تريليون دولار حجم السوق 
وقال شاه: إن قيمة الأصول الرقمية العالمية، التي تشمل الرموز غير القابلة للاستبدال تبلغ حالياً حوالي 1.2 تريليون دولار، وهي أقل من ذروتها في أواخر العام الماضي، عند بلغت حوالي 3 تريليونات دولار، لكن التوقعات تشير إلى إمكانية ارتفاعها إلى 10 تريليونات دولار خلال الـ 3 إلى 5 سنوات القادمة، لا سيما وأن هذه الصناعة تتجه أكثر فأكثر لأن تصبح جزءاً لا يتجزأ من تعاملاتنا المالية، لكن رغم النمو المذهل المتوقع، تبقى الأصول الرقمية صغيرة جداً مقارنة بالاقتصاد التقليدي، حيث لا تتجاوز نسبتها 5% فقط، مؤكداً أن اقتصاد العملات المشفرة لن يحل مطلقاً محل الاقتصاد التقليدي، وإنما سيكمله فقط وسيصبح جزءاً من حياتنا اليومية.
واستكمل: رغم صعوبة تحديد حصة اقتصاد الأصول الرقمية من الاقتصاد التقليدي في دولة الإمارات حالياً، إلا أنه يمكن إدراك تساع هذه المساهمة من خلال النظر إلى عدد شركات العملات المشفرة التي جاءت إلى هنا على مستوى العالم وظهور الجهات الفاعلة المعنية بالعملات الرقمية، مثل بينانس وفي تي إكس، ومع اكتمال تشكل المنظومة ستجد هنا أيضاً أمناء حفظ ممن يقومون فقط بأعمال الحفظ الآمن في سلسلة القيمة بأكملها.

«النقد الدولي»: الإمارات في مرحلة صياغة السياسة التنظيمية للأصول المشفرة
قالت مارينا موريتي، مساعد مدير الرقابة المالية والتنظيم في صندوق النقد الدولي، إن دولة الإمارات تأتي ضمن عدد محدود من الدول التي بلغت مراحل متقدمة لتنظيم صناعة الأصول المشفرة، بينها المملكة المتحدة وأميركا والاتحاد الأوربي، مشيرة إلى أن هذه الصناعة شهدت زخماً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، حيث قامت بعض الدول مثل اليابان وسويسرا بتعديل وإدخال تشريعات تغطي التعامل بهذه الأصول ومقدمي خدماتها. وأوضحت مورتي أنه بينما بدأت دولة الإمارات ومعها دولة قليلة أخرى، مرحلة صياغة السياسة التنظيمية لهذه الصناعة، والترحيب والسعي لجذب الشركات المتخصصة لتطوير أسواق الأصول الرقمية، فإن هناك على النقيض دولاً أخرى، تحظر إصدار هذه العملات أو الاحتفاظ بأصول التشفير من قبل المتعاملين وتمنع التعامل بها أو استخدامها في المدفوعات.

الأصول المشفرة والرقمية والافتراضية.. مسميات لترميز واحد
فيما يتعلق بتعدد مسميات الأصول والعملات ما بين افتراضية ورقمية ومشفرة، قال بهافين شاه، رئيس مكتب الشرك الأوسط وأفريقيا لتحالف المخاطر القانونية في مركز دبي المالي العالمي (FRA)، إنه حتى الآن، جميعهم متماثلون، خلافاً لعملة «فيات» وهي العملة النقدية المتداولة والتي يصدرها البنك المركزي في أي دولة والمتعامل بها، موضحاً أن كل شيء آخر نراه في سوق الرموز، يمكن تسميته بالعملة الافتراضية، أو بالعملة المشفرة، والبعض يسميها العملة الرقمية، حيث تعتبر كل هذه المسميات جزءاً من الترميز نفسه، أو ما يمكن أن تطلق عليها اسم رموز افتراضية. 
وأضاف شاه: «ليس لدينا تعريفات قياسية، ولكن هناك عدد من السلطات حددت مصطلحات مختلفة، لذلك يعرّفها مجلس الاستقرار المالي الأوروبي على أنها أصول افتراضية، وفيما اعتمدت دبي الأصل الافتراضي كمصطلح لها، تستمر بعض البلدان في تسميتها بالعملات المشفرة، والبعض يسميها رموز التشفير، وهناك نقاش كبير دائر على مستوى العالم».

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *