... التخطي إلى المحتوى

ت + ت – الحجم الطبيعي

أكاد أجزم أن كل واحد منا، أو كثيرين منا، سبق وخاضوا تجربة الحوار والنقاش مع آخرين يختلفون عنهم ومعهم، ومعها ألمْ تلاحظوا أنه عندما يحتد النقاش بين طرفين أو أكثر فإن الجميع يتحدث بعشوائية وصراخ، بل إنه عندما يندلع خلاف وتجد طرفاً يتحدث تلاحظ أن الطرف الثاني يهز رأسه وكأنه يستعجل من يتحدث للانتهاء من حديثه، وبمجرد أن يصمت يبدأ في الكلام وكأنه سيل منهمر لا يوقفه شيء، ويتكرر الأمر مع الطرف الآخر، وهكذا تذهب الأمسية في أخْذٍ وردٍّ، دون أن يصل الطرفان لنقطة وسط أو لحل أو على الأقل ليتفهم كل واحد منهما ما يقال.

نحن قد نصمت ونلوذ بالصمت كحل يشبه تجرعنا المر، وننتظر بفارغ الصبر انتهاء ذلك الطرف من حديثه وكلامه، حتى ننهمر كالسيل العارم في حديثنا، دون أن نفهم كلامه أو حتى نحاول تفهمه.

يقول مدرب التنمية البشرية الكندي الشهير، روبن شارما: «أغلب الناس فكرتهم عن الإنصات هي أنه انتظار الطرف الآخر حتى يفرغ من حديثه ليتمكنوا من إقحام أنفسهم».

وهذا يقودنا لحقيقة بديهية وتكاد أن تكون معروفة، أنك قد تشاهد البعض يصمتون لكنهم لا ينصتون، وهذا هو الفرق الشاسع بين الكلمتين، بل أعتبرها فرقاً بين فعلين حيويين ومهمين، الصمت جيد ولكن الإنصات ومحاولة التفهم أمر أكثر أهمية في عملية المعرفة وفي رحلة البحث عن الحقيقة والتعلم.. لذا أقول دوماً لا تتعالوا عن الإنصات والتفهم..

تتعلق المشكلة بالاستماع، وأقصد بطريقتنا في تلقي المعلومات من الآخرين، نحن مؤكد نستمع لهم لكننا مع الأسف لا نصغي ولا ننتبه ولا نولي كلماتهم العناية التي يستحقونها، وتكبر مثل هذه القضية لتصبح سلوكاً يومياً مع الجميع داخل منازلنا، فلا نستمع لشكوى أطفالنا ولا نرخي السمع والانتباه لوجهات نظر زوجاتنا أو العكس بطبيعة الحال أن لا تنتبه الزوجة لكلمات الزوج وشريك الحياة، أيضاً نحن لا نولي توجيهات مرؤوسينا في العمل العناية الكافية، نحن نسمعهم لكننا لا نستوعب أو نفهم الذي يرمون له، وهذا مَكمن المشكلة وخيطها الأول.

أبعاد هذه المشكلة تتعلق برغبتنا الدائمة في الحديث، نحن نحب أن تكون لنا الكلمة في المجلس وبين الناس فنتحدث ونكاد لا نصمت، نطرح الهموم ووجهات النظر لكننا كما نريد من الآخرين أن يستمعوا لنا ويصغوا لكلماتنا لا نعاملهم بالمثل.. الذي يحدث مع الأسف وبشكل دائم أننا جميعاً نتحدث وجميعنا أو معظمنا لا يصغي بل لا يفهم ولا يريد أن يفهم، نحن بهذه الممارسة فعلاً نضيّع وقتنا فيما لا يفيد، وكذلك نجتر كلمات بعض، وقبل هذا وبعده نكرر الأخطاء فلا نستفيد من خبرة بعضنا البعض ولا من تجارب بعضنا البعض.

لا شك أن مقولة «من يحسن الاستماع يحسن الحديث» تحمل في مضمونها جوهر التواصل الحضاري بين الناس، لأنها تتيح لنا الاستفادة من تجارب الآخرين وخبراتهم، لأن الخير مبثوث بين الناس، ويمكن أن نستفيد من الجميع، إن أحسَنّا تلقي المعلومة منهم.

طباعة
Email




التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *