بعد شهر من اقتحام حشود من المتظاهرين أبنية حكومية في سريلانكا، اقتحم متظاهرون في بلد مختلف أبنية حكومية رئيسية والتقطوا صورا شخصية لهم في حمامات السباحة الخاصة بالنخبة السياسية.
وجاءت أعمال العنف في العراق في أعقاب سلسلة اشتباكات حدثت في مناطق مختلفة، بعد أن أعلن رجل الدين الشيعي البارز، مقتدى الصدر، أحد أكثر الشخصيات نفوذا في البلاد وله ملايين من الأنصار، اعتزاله الحياة السياسية.
ويقول مراقبون إن تحرك الصدر ربما يكون تكتيكيا، بعد أن أعلن تقاعده السياسي أكثر من مرة.
ويأتي ذلك في أعقاب عدم توافق الجماعات السياسية في العراق على تشكيل حكومة جديدة بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، والتي فازت فيها كتلة الصدر بأغلبية الأصوات.
وقعت معظم الاشتباكات في المنطقة الخضراء، وهي منطقة تخضع لتأمين مشدد، نظرا لتمركز أبنية حكومية ومنظمات دولية بها في وسط بغداد.
وسُمع دوي إطلاق النار والصواريخ أثناء اشتباك أنصار الصدر مع قوات الأمن والميليشيات الشيعية المتنافسة المتحالفة مع إيران.
وسقط قتلى والكثير من الجرحى خلال المواجهات الدامية.
وفي ظل تعليق الجلسات البرلمانية وفرض حظر تجول مؤقت في شتى أرجاء البلاد بسبب أعمال العنف، أغلقت إيران حدودها مع العراق، كما دعت الكويت مواطنيها إلى مغادرة البلاد وسط التصعيد.
والسؤال ماذا تحمل هذه الموجة من العنف في العراق، والتي دفعت بعثة الأمم المتحدة في العراق إلى التصريح يوم الاثنين بأن “بقاء الدولة العراقية في خطر”؟
شيعة أمام شيعة
ينقسم مسلمو العراق (حوالي 99 في المائة من سكان البلاد) إلى طائفتين رئيسيتين: الشيعة والسنة.
وكان جميع حكام العراق، في العصر الحديث منذ عشرينيات القرن الماضي، من الأقلية السنية.
وتغير الوضع عندما أُطيح بنظام صدام حسين، الذي كان يهيمن عليه السنة، بعد غزو قادته الولايات المتحدة في عام 2003.
ومنذ ذلك الوقت يحرص أعضاء الجماعات المختلفة، لاسيما الأغلبية الشيعية، على تولي مناصب سياسية عليا في البلاد، التي تعد ثاني أكبر الدول المنتجة للنفط في منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك”.
وتتمثل هذه الأغلبية الشيعية في الصدر، الذي يتمتع بآراء قومية قوية، والذي عارض مؤخرا تأثير إيران على السياسة العراقية، وأنصاره من جهة، والجماعات الشيعية المتنافسة التي تدعمها إيران، من جهة أخرى.
ويتملك الجانبان ميليشيات مسلحة وجماعات شبه عسكرية.
انتخابات غير حاسمة
يعيش العراق حالة من الجمود السياسي منذ إجراء انتخابات غير حاسمة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعقبتها أطول فترة حتى الآن بدون تشكيل حكومة دائمة تدير شؤون البلاد.
وعلى الرغم من فوز الكتلة التي يتزعمها الصدر بمعظم المقاعد، لم يحدث توافق على تشكيل حكومة جديدة مع ثاني أكبر كتلة، تتألف أساسا من الأحزاب الشيعية المدعومة من إيران.
رسم الصدر، الذي كان حليفا لإيران، صورة لنفسه خلال العقد الماضي على أنه قومي يريد إنهاء النفوذ الأمريكي والإيراني على الشؤون الداخلية للعراق.
ويكثر الحديث عن تقاربه الشديد من المواطنين العراقيين، الذين يشعرون تاريخيا بأنهم مستبعدون من السياسة، وينحون باللائمة في ذلك على الطائفية والفساد المستشري والأزمة السياسية والإنسانية التي تشهدها البلاد منذ عقود.
وفي الوقت الذي رفض فيه إجراء محادثات مع المعارضين السياسيين، دعا الصدر مؤخرا إلى حل البرلمان وطالب بإجراء انتخابات جديدة.
وتمركزت حشود من أنصاره خارج مقر البرلمان منذ يوليو/تموز احتجاجا على الجمود السياسي، وامتدت الاحتجاجات إلى اقتحام المبنى.
ودعا خصوم الصدر، وهو يحظون بدعم من إيران التي تريد الحفاظ على نفوذها السياسي في البلاد، إلى إجراء تغييرات في النظام الانتخابي.
دعوات للتهدئة
دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، القادة السياسيين في البلاد إلى “اتخاذ خطوات فورية لتهدئة الوضع”.
ووصف متحدث باسم بعثة الأمم المتحدة في العراق الوضع بأنه “تصعيد خطير للغاية”، وحث جميع المتظاهرين على مغادرة الأبنية الحكومية فورا.
وقال: “يجب أن تعمل مؤسسات الدولة دون عقبات لخدمة الشعب العراقي في جميع الظروف وفي جميع الأوقات”.
وأضاف: “احترام النظام الدستوري يثبت حاليا أنه أمر بالغ الأهمية”، وقال إنه “لا يمكن أن يكون العراقيون رهينة وضع يصعب التنبؤ به ويصعب تحمله” و”بقاء الدولة ذاته في خطر”.
وأعلن مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي، حظر تجول شامل على مستوى البلاد في أعقاب الاضطرابات.
كما علّق الكاظمي اجتماعات مجلس الوزراء وناشد الصدر من أجل التدخل ووقف القتال.
واستجابة لذلك أمر الصدر أنصاره بالانسحاب من خارج البرلمان، وأعلن إضرابا عن الطعام احتجاجا على استخدام جميع الأطراف السلاح، بحسب قوله.
واعتذر الصدر للشعب العراقي عن أعمال العنف، وأمر أنصاره بوقف احتجاجاتهم.
وقال في خطاب بثه التلفزيون “ما يحدث ليست ثورة لأنها ليست سلمية”. “الدم العراقي حرام”.
وبعد حديثه أنهى الجيش حظر التجول الذي كان قد فرضه يوم الاثنين.
من هو مقتدى الصدر
مقتدى الصدر، البالغ من العمر 48 عاما، شخصية بارزة في الحياة العامة والسياسية العراقية خلال العقدين الماضيين.
هو نجل آية الله محمد صادق الصدر، برز على الساحة بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 بصفته معارضا صريحا للاحتلال الأجنبي، وكان قائد ميليشيا اشتبكت مرارا مع قوات التحالف.
ووُصف “جيش المهدي” التابع له بأنه واحد من أقوى الجماعات التي قاتلت القوات الأمريكية، وأنه الجيش العراقي الجديد بعد الإطاحة بصدام حسين من السلطة. ولكنه أعاد تسمية قواته بـ”سرايا السلام”.
ويعد الصدر، أحد أبرز الشخصيات المعروفة في العراق، وهو مدافع عن المواطنين العراقيين الذين يعانون من ارتفاع معدلات البطالة وانقطاع التيار الكهربائي المستمر والفساد.
ويذكر مشهد أنصاره وهم يقفزون في حمام السباحة داخل القصر الجمهوري يوم الاثنين بالقوة التي يتمتع بها الصدر من خلال العدد الهائل لأنصاره.
التعليقات