التخطي إلى المحتوى

“سوريا ترحب بكم” عبارة دلالية متواضعة على حافة طريق حدودي مع لبنان أشعلت حنين العودة للاجئين الذين فروا من بلادهم. فبعد اندلاع النزاع في سوريا شكل لبنان وجهة لمئات الآلاف من السوريين الذين هربوا من مناطقهم مع تقدم المعارك.

يستذكر جاسم ورداني (40 سنة) لاجئ سوري منذ سبع سنوات تفاصيل رحلة العودة إلى أرضه، ويروي “لقد دمعت عيناي حين وصلت لبلادي بعد كل هذه السنوات. أنا عائد إلى حياة جديدة وكأنني ولدت مجدداً، هذه الأرض ترعرعت وعشت بها، ولن أبقى طوال حياتي في غربة عن تراب البلد”.

على رغم فرحة العودة فإنه ليس متفائلاً، ويرجح مواجهة تحديات العيش الجديد، فلا بيت يأويه سوى جدران مهدومة، وأرض قطعت أشجارها خلال الحرب. ويقول ورداني “سأعيد تشييد البناء، وأحرث الأرض لأزرعها مجدداً، لكن هذا يحتاج إلى مال كثير لا أملكه، الحياة قد تغيرت في سوريا، البلد لم يعد كما تركناه، كلفة الحياة لا تحتمل”.

أوتاد الخيمة

طوت الحافلة، المثقلة بالأغراض المنزلية وأمتعة السفر طريق العودة كما لو أنها تطوي صفحة أخيرة من كتاب أتمت قراءته. ويتحدث الورداني “لقد فككت أوتاد الخيمة وحملت ما خف حمله قبل رحيلي، قضينا أياماً صعبة، لكن لا نعلم هل سنرتاح بعد مجيئنا أم سنعاود التفكير بالهجرة ثانية”.

بالمقابل نكأت مسيرة العودة جراح “أبو فادي” وعاد بذاكرته لوقت عصيب كابده في رحلة الهجرة القسرية قبل سنوات سافر وقتها من ريف حمص، وسط سوريا عقب اتساع المعارك واشتداد ضراوتها، ويقول “حزمت حقائبي وكان أكبر همومي أن أنجو بأطفالي، واليوم باتوا شباباً، أعود وتحمل زوجتي طفلاً صغيراً لم يتجاوز الثالثة من عمره وما زلت أخاف عليه لكن هذه المرة أخاف من مشقة المعيشة الصعبة وأنا من دون عمل”.

تدهور اقتصادي

في غضون ذلك تلملم عائلات سورية منذ يوم الأربعاء الماضي 26 أكتوبر (تشرين الأول) أغراضها في مخيمات النزوح القريبة من الحدود، للعودة إلى الديار ضمن تنسيق بين الجانبين السوري واللبناني، وبخطة إعادة 15 ألف لاجئ بعد أن توقفت منذ عام 2019 بسبب تفشي وباء كورونا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

“لن يطرق العائدون أبواب اللجوء ثانية”، حسب وصف متابعين لشؤون الهجرة، فإنهم استبقوا عملية تهجير قسرية لا محالة ستحدث حسب ما أفاد معظم من التقيناهم.

ولا يغيب عن أحد أحوال البلد المضيف للسوريين والبالغ عددهم أكثر من مليوني لاجئ، بحسب تقدير السلطات اللبنانية، بينما يبلغ عدد المسجلين لدى الأمم المتحدة قرابة 830 ألفاً. ويبلغ عدد اللبنانيين ما يقارب ستة ملايين نسمة في حين أن الوضع المعيشي والاقتصادي الضاغط ليس أفضل حالاً من سوريا حيث تعيش الدولتان تدهوراً اقتصادياً غير مسبوق.

يقول أحد اللاجئين العائدين “كنت أعمل خبازاً في فرن في بيروت وانتقلت إلى عدة محافظات، من عمل إلى عمل لكن أخيراً فقدت عملي، سأحاول مجدداً في بلدي ربما أنجح وإلا سأسافر إلى تركيا ومنها إلى أية دولة أوروبية قبل فوات الأوان”.

الانفتاح على الحوار

ومن جانبه يحصر الناشط ومؤسس مبادرة منتدى الأمل السوري، قصي دالي، في حديثه لـ”اندبندنت عربية” الخطوات التي تبشر بعودة اللاجئين إلى بلادهم بانفتاح السلطات للحوار مع السوريين بشكل مباشر من دون وسيط، وطمأنتهم بشأن مصيرهم على كل الصعد بعد العودة. 

ويرى دالي أن الجانب الأهم هو طمأنة السوريين أن العودة آمنة، عبر اتخاذ السلطات إجراءات تحد من ممارسات فردية قد ترتكب، مثل أعمال التخويف والترهيب على خلفية تعبير السوريين عن آرائهم، حسب قوله.

ويتابع “لن تكون هذه القوافل نهاية أزمة اللجوء السورية، ولا يمكن اعتبار عودة نسبة معينة من الأشخاص على أنها بداية نهاية أزمة اللجوء، فكل شخص لديه أسبابه ومخاوف قادته إلى التماس اللجوء خارج حدود بلاده. أعتقد أن الأمور غير واضحة على الصعد كافة، لا نعرف ما إذا كانت لديهم منازل، وما إذا كان بوسعهم التعبير عن رأيهم بصراحة، في حين أن البلاد بعد عقد من الصراع تعاني أزمات اقتصادية كبيرة”.

وإزاء هذا التطور الجديد في ما يخص ملف اللاجئين تأتي العودة من ثلاث نقاط حدودية، وبحسب معلومات واردة من عاملين في المجال الإغاثي “الأعداد ما زالت ضئيلة” في وقت أشار السفير السوري السابق، علي عبدالكريم قبل مغادرته منصبه إلى وجود أكثر من 89 في المئة يريدون العودة، وفق استطلاع أجرته منظمة الأمم المتحدة.

ومنذ افتتاح باب العودة رجع المئات من السوريين وغالبهم من عرسال ومناطق حدودية، يستقل غالبهم حافلاتهم ومركباتهم الخاصة، بينما يتكبد من لا يمتلك مركبة كلفة باهظة تفوق القدرة المالية بسبب استغلال أصحاب الحافلات، في وقت ترسم قوافل العائدين وبعيداً عما تحمله من أبعاد سياسية بعداً إنسانياً، ويتوقع كثيرون أن تتواصل من دون توقف حتى آخر لاجئ في بلاد الأرز.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *