أعلنت قيادة العمليات المشتركة، اليوم الاثنين، عن فرض حظر تجول شامل في العاصمة بغداد، بعد إعلان رجل الدين الشيعي العراقي، مقتدى الصدر، اعتزاله السياسة نهائيا، بعد نحو عام من الجمود السياسي الذي ترك البلاد بدون حكومة جديدة.
يأتي ذلك بعدما أعلن مصدر أمني عراقي أن العشرات من أنصار الصدر اقتحموا اليوم الاثنين القصر الجمهوري، وهو مبنى داخل المنطقة الخضراء المحصنة ببغداد.
وقال المصدر إن المتظاهرين الغاضبين “دخلوا القصر الجمهوري” بعد وقت قصير من إعلان الصدر اعتزاله الحياة السياسية، في ظل توجه آلاف آخرين من أنصار الصدر نحو المنطقة الخضراء، حسبما أفاد صحفي في وكالة فرانس برس للأنباء.
وقالت القيادة في بيان، وفقا لوكالة الأنباء العراقية: “تقرر فرض حظر التجول الشامل في العاصمة بغداد”.
وأضافت أن حظر التجول سوف “يبدأ اعتبارا من الساعة الثالثة والنصف (بالتوقيت المحلي) من ظهر هذا اليوم الاثنين”.
كما دعت قيادة العمليات المشتركة المتظاهرين إلى الانسحاب فورا من داخل المنطقة الخضراء.
كما أعلن مجلس الوزراء العراقي تعليق جلساته حتى إشعار آخر.
وقال بيان للعمليات المشتركة، وفقا لوكالة الأنباء العراقية: “القوات الأمنية تدعو المتظاهرين إلى الانسحاب الفوري من داخل المنطقة الخضراء”، مؤكدة أنها “التزمت أعلى درجات ضبط النفس والتعامل الأخوي لمنع التصادم أو إراقة الدم العراقي”.
دعوات للتهدئة وضبط النفس
ودعا رئيس مجلس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الجميع إلى ضبط النفس، مطالبا المتظاهرين بالانسحاب فورا من المنطقة الخضراء والالتزام بتعليمات قوات الأمن المسؤولة عن حماية المؤسسات الرسمية وأرواح المواطنين، بعد أن عقد اجتماعا طارئا للقيادات الأمنية بمقر العمليات المشتركة، لمناقشة تطورات الأحداث الأخيرة ودخول متظاهرين إلى مؤسسات حكومية.
وقال الكاظمي في بيان، وفقا لوكالة الأنباء العراقية: “تجاوز المتظاهرين على مؤسسات الدولة يعد عملاً مداناً وخارجاً عن السياقات القانونية”، داعيا الصدر إلى المساعدة في دعوة المتظاهرين للانسحاب من المؤسسات الحكومية.
كما أكد الرئيس العراقي، برهم صالح، أن تطورات الأحداث تفرض على القوى الوطنية الترفع عن الخلافات، مضيفا أن الظرف العصيب الذي يمر به العراق “يستدعي من الجميع التزام التهدئة وضبط النفس ومنع التصعيد، وضمان عدم انزلاق الأوضاع نحو متاهات مجهولة وخطيرة يكون الجميع خاسراً فيها”.
وقال صالح، وفقا لوكالة الأنباء العراقية: “التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي حق مكفول دستورياً مع الالتزام بالقوانين وحفظ الأمن العام، ولكن تعطيل مؤسسات الدولة أمر خطير يضع البلد ومصالح المواطنين أمام مخاطر جسيمة”.
ودعت بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي”، جميع المتظاهرين إلى “مغادرة منطقة بغداد الدولية، وإخلاء جميع المباني الحكومية والسماح للحكومة بمواصلة مسؤولياتها في إدارة الدولة”.
وحثت الجميع على “التحلي بالسلام والتعاون مع قوات الأمن والامتناع عن الأعمال التي قد تؤدي إلى سلسلة من الأحداث لا يمكن وقفها”، وأضافت أنه “لا يمكن أن يكون العراقيون رهينة وضع لا يمكن التنبؤ به ولا يمكن تحمله”، لافتة إلى أن “بقاء الدولة” أصبح على المحك، وفقا لوكالة الأنباء العراقية.
اعتزال الحياة السياسية
وكان الصدر قد أعلن في بيان نُشر على تويتر “عدم التدخل في الشؤون السياسية، فإنني الآن أعلن الاعتزال النهائي وغلق كافة المؤسسات” المرتبطة به.
ولم يذكر تفاصيل عن إغلاق مكاتبه، لكنه قال إن بعض مؤسساته الثقافية والدينية ستبقى مفتوحة.
وكان تحالف الصدر السياسي قد فاز بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات العام الماضي، بيد أنه لم يحدث توافق بين الفصائل السياسية العراقية على أي حكومة منذ ذلك الوقت.
كما استقال جميع نواب الصدر، في يونيو/حزيران، بناء على طلبه، بعدها اقتحم أنصاره مبنى البرلمان وواصلوا اعتصامهم داخل المنطقة الخضراء في بغداد.
وكان الصدر قد انتقد سياسيين من قادة الشيعة بسبب تقاعسهم عن الاستجابة لدعواته للإصلاح.
وانسحب نوابه من البرلمان في يونيو/ حزيران بعد أن أخفق في تشكيل حكومة من اختياره، وأدى الجمود السياسي بينه وبين منافسيه الشيعة المقربين من إيران إلى دخول العراق في أطول فترة بدون حكومة.
و أثار إعلان الصدر يوم الاثنين مخاوف من أن احتمال تصعيد أنصاره احتجاجاتهم، الأمر الذي يؤجج مرحلة جديدة من عدم الاستقرار في العراق.
ويرجع التوتر إلى أكتوبر/ تشرين الأول، حين فازت كتلة الصدر بـ 73 مقعدا في الانتخابات، ما جعلها أكبر فصيل في مجلس النواب المؤلف من 329 مقعداً.
لكن المحادثات الرامية إلى تشكيل حكومة جديدة تعثرت لشهور. واقتحم عدد كبير من مؤيدي الصدر مبنى البرلمان في إطار احتجاجات على ترشيح السياسي محمد شياع السوداني لمنصب رئيس الوزراء من قبل تحالف القوى الشيعية المعروف بـالإطار التنسيقي.
واحتل أنصار الصدر البرلمان منذ نهاية يوليو/ تموز، ونظموا احتجاجات بالقرب من المباني الحكومية.
وكان رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، قد دعا في وقت سابق في بيان نشر على الحساب الرسمي لمكتبه، المتظاهرين إلى “الالتزام بالسلمية، والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، وبتعليمات القوات الأمنية المسؤولة عن حمايتهم حسب الضوابط والقوانين”.كما طالبهم بـ”الانسحاب الفوري من المنطقة الخضراء”.
وأضاف الكاظمي أن “القوات الأمنية ملتزمة بحماية مؤسسات الدولة، والبعثات الدولية، ومنع أي إخلال بالأمن والنظام”.
من جانبه، قال رئيس الجمهورية العراقية برهم صالح، إن التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي حق مكفول دستورياً، فيما شدد على ضرورة التزام التهدئة وتغليب لغة العقل.
وقال صالح في بيان: “نؤكد على ضرورة التزام التهدئة وتغليب لغة العقل، وتجنّب أي تصعيد قد يمس السلم والأمن المجتمعيين”.
وأكدت بعثة الأمم المتحدة في العراق أن التظاهر السلمي “أساسي للديمقراطية”، لكنها نوهت أنه يجب أن “يحترم مؤسسات الدولة”.
وعطل الانسداد السياسي الذي تشهده البلاد كثيراً من الإجراءات التي يحتاجها العراق.
وترك الشلل البلاد بلا ميزانية لعام 2022، ما قاد إلى تعليق الإنفاق على مشاريع البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها وتنفيذ إصلاحات اقتصادية.
ويقول العراقيون إن الوضع يؤدي إلى تفاقم نقص الخدمات والوظائف حتى مع حصول البلد الغني بالنفط على دخل نفطي قياسي بسبب ارتفاع أسعار النفط الخام.
وتدير حكومة مصطفى الكاظمي شؤون البلاد ريثما يتم تشكيل حكومة جديدة.
واستلم الكاظمي المنصب عام 2019، في أعقاب مظاهرات حاشدة خرجت احتجاجا على الأوضاع الصعبة والفساد، وقادت إلى استقالة سلفه عادل عبد المهدي.
التعليقات