... التخطي إلى المحتوى

دور بارز تلعبه النساء الإيرانيات في الاحتجاجات الجارية في أنحاء البلاد منذ عدة أيام بعد وفاة الفتاة الشابة مهسا أميني التي أطلقت غضبا عارما بين السكان وأدت لاندلاع أسوأ مظاهرات تشهدها إيران منذ عام 2019، في مؤشر اعتبره مراقبون بمثابة “نقطة تحول” في الداخل الإيراني.

وأثارت وفاة أميني غضبا في أنحاء إيران بشأن قضايا من بينها تقييد الحريات الشخصية بما يشمل فرض قيود صارمة على ملابس النساء، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي يترنح تحت وطأة العقوبات.

تصاعدت النقمة الشعبية في إيران منذ أن أعلنت السلطات الأسبوع الماضي موت أميني البالغة 22 عاما بعدما أوقفتها “شرطة الأخلاق” في طهران لارتدائها “ملابس غير محتشمة”.

تركزت الاحتجاجات في البداية في المناطق الشمالية الغربية التي يسكنها الأكراد في إيران، لكنها امتدت أيضا إلى العاصمة وما لا يقل عن 50 مدينة وبلدة في أنحاء الجمهورية الإسلامية. 

أشعلت النساء النار بحجابهن وهن يرقصن فيما أقدم متظاهرون شبان على حرق صور رجال الدين، لتكسر المحرمات وتضع النظام الإسلامي القائم في طهران أمام تحد غير مسبوق.

جيل نسوي جديد

تقول الناشطة الحقوقية الإيرانية منى السيلاوي إن “وفاة أميني هي من أشعلت شرارة الاحتجاجات، لكن هناك تراكمات مهمة هي من مهدت الطريق لهذا الغضب الشعبي”.

وتضيف السيلاوي لموقع “الحرة” أن الشعب الإيراني “مل من تدخل السلطات في حياة الناس اليومية، من خلال فرض طريقة معينة للبس، من بين أمور أخرى”.

وتشير السيلاوي إلى أنه “منذ عدة سنوات والمرأة تعاني من التمييز وعدم السماح لها بالدخول للملاعب وهي قضية جوهرية ضغطت النساء بكل قوة من أجل الحصول عليها ونجحن فعلا في ذلك بعد تهديد الاتحاد الدولي بمنع المنتخب الايراني من المشاركة في كـأس العالم في حال عدم التراجع”.

وتتابع أن “هذا القرار شجع النساء على المضي قدما في مطالبهن واعطاهن دفعة قوية”.

وترى السيلاوي أن “الجيل الجديد من النساء يختلف كثيرا عن الأجيال السابقة”، مضيفة أن “الحركة النسوية قبل عشر سنوات ربما كانت مقتصرة على المناطق الراقية أو مراكز المدن وفي صفوف النساء الفارسيات اللواتي تلقين تعليما متقدما”.

وتبين السيلاوي: “لكن اليوم الصورة مختلفة، هناك جيل جديد من النسويات يعملن على إدخال الحركة النسوية في صفوف الأقليات وفي صفوف باقي القوميات في إيران”.

وتشير السيلاوي إلى أن “هذا يعطي الأمل في حصول ثورة داخل المجتمع، باعتبار أن الجيل النسوي الجديد لا يمتلك نزعة عنصرية كما في السابق”.   

ويخشى حكام إيران من تجدد الاضطرابات التي شهدتها البلاد عام 2019 احتجاجا على ارتفاع أسعار البنزين، والتي كانت الأكثر دموية في تاريخ الجمهورية الإسلامية وسقط خلالها نحو 1500 قتيل.

ودعت مجموعة من الخبراء بالأمم المتحدة إلى محاسبة المسؤولين عن وفاة أميني. ومن بين هؤلاء الخبراء جاويد رحمان، المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، وماري لولور، المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان.

وقال الخبراء في بيان “نشعر بالصدمة وبحزن بالغ إزاء وفاة السيدة أميني. إنها ضحية أخرى للقمع المستمر والتمييز الممنهج في إيران ضد النساء و(ضحية) فرض قواعد اللباس التمييزية التي تحرم المرأة من الاستقلال الجسدي ومن حرية الرأي والتعبير والاعتقاد”.

ويرى محللون أن الاحتجاجات الحالية تطرح تحديا أكثر تعقيدا للنظام الإسلامي بقيادة آية الله علي خامنئي (83 عاما).

ويقول الباحث في الشأن الإيراني حسن راضي الأحوازي إن “مطالب الفتيات والنساء في إيران بدأت تتوسع من خلال محاولة الحصول على المزيد من الحريات الاجتماعية والمدنية ومنها مواجهة الحجاب الاجباري”.

ويضيف الأحوازي لموقع “الحرة” أن “النظام الإيراني وعلى خلفية ذلك صعد من مارسته واعتقالاته ضد النساء، بمعنى أن هناك تصادم بين الطرفين وهذه تعتبر نقطة تحول وحدث جديد يحصل لأول مرة”.

ويتابع الأحوازي أن “النساء دخلن إلى ساحة المواجهة ليس بدوافع سياسية وإنما بدوافع الحريات والاجتماعية للحصول على أبسط حقوقهن في ارتداء ما يرونه مناسبا”.

“المجتمع لا يزال حيا”

وتقول ناشطة إيرانية، طلبت عدم ذكر اسمها لأسباب أمنية، إن “ما تقوم به السلطات الإيرانية ضد النساء فضيع، وخاصة من خلال فرض لباس معين على المجتمع الإيراني المعروف تاريخيا بانفتاحه وعدم تقبله للتزمت”.

وتضيف الناشطة، التي تقيم في العاصمة الأميركية واشنطن، “بالنسبة لأي مجتمع عندما يكون هناك تراجع في الحريات ويتم التعامل معهم بقسوة وعدم احترام وفرض عليهم ما يقولونه ويرتدونه فبالتأكيد سيثورون ضد السلطة”.

وترى الناشطة أن “مشاركة النساء بفعالية في الاحتجاجات الحالية يعني أن المجتمع الإيراني لا يزال حيا وصحيا وفعالا”.

وتعتقد الناشطة أن “النساء في إيران لا يختلفن عن باقي النساء في بلدان العالم، ولديهن القوة والقدرة على التغيير والحصول على حقوقهن ورفع صوتهن عاليا”.

وقُتل ما لا يقل عن 31 شخصا، وفقا لحصيلة نشرتها، الخميس، منظمة حقوق الإنسان الإيرانية غير الحكومية ومقرها أوسلو، مما أثار مخاوف من حملة قمع شرسة مماثلة لتلك التي حدثت في عام 2019 والتي خلفت 321 قتيلا خلال أسبوع بحسب منظمة العفو الدولية.

ونددت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الخميس بـ”الهجوم الوحشي على النساء الشجاعات” اللواتي يتظاهرن منذ أيام عدة في ايران، معتبرة أن قمع التظاهرات يشكل “تعرضا للإنسانية”.

كالعادة حجبت السلطات الوصول إلى الإنترنت لمنع نشر الصور والدعوات إلى التظاهر. ويقول موقع NetBlocks ومقره لندن الذي يراقب عمليات حجب الإنترنت في جميع أنحاء العالم، إن قيودا فرضت للوصول إلى تطبيق انستغرام موقع التواصل الاجتماعي الرئيسي الوحيد المتاح في إيران.

من بين الشعارات التي رددها المتظاهرون “الموت للدكتاتور” والعديد من التصريحات المناهضة للنظام، فيما برزت صرخة التجمع “امرأة، حياة، حرية”.

وتنقل وكالة فرانس برس عن علي فتح الله نجاد الخبير في الشأن الايراني في جامعة بيروت القول إن “هذه أكبر احتجاجات منذ نوفمبر 2019. التحركات الوطنية السابقة كانت تقودها الطبقات العاملة وأثارها تدهور الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية، لكن الشرارة هذه المرة كانت اجتماعية-ثقافية وسياسية”.

وأضاف “لم يتوقع النظام أن يؤدي اعتقال مواطنة ووفاتها إلى إثارة انتفاضة وطنية”.

وبالنسبة لعلي فتح الله نجاد تمثل الحركة الحالية قطيعة مزدوجة مقارنة بحركة عام 2009 التي تميزت بمطالب سياسية للطبقة الوسطى، وبمطالب عام 2019 التي أثارها غضب الفئات الشعبية. وقال إن “الظروف الحالية في إيران تشير إلى اتجاه لتوحيد المجموعتين”.

في سلسلة تغريدات على تويتر عبرت الناشطة الإيرانية مسيح علي نجاد عن غضبها من السلطات الإيرانية والقوى الداعمة لها لسكوتها عما يجري في إيران.

وقال علي نجاد في إحدى تغريداتها ” بالنسبة للسياسيين الذين حاولوا كسب ود الجمهورية الإسلامية على مدى عقود، حان الوقت لكي تدركوا أن ما فعلتموه لم يجلب شيئا للإيرانيين سوى المزيد من إراقة الدماء في الشوارع”، مضيفة أن “هذا النظام غير قابل للإصلاح”.

وفي تغريدة أخرى كتبت علي نجاد “بعد 40 عاما من الاضطهاد، تقول النساء الإيرانيات لا للحجاب.. لا مزيد من الاضطهاد.. مقتل مهسا أميني صرخة إيقاظ للإيرانيين وهم بحاجة إلى دعم دولي”.

“رمز النظام”

وقد تشكل الاحتجاجات التي تشهدها إيران مؤشرا يدل على “تغيير كبير”، وفق محمود أميري مقدم، مدير منظمة “حقوق الإنسان في إيران” غير الحكومية ومقرها أوسلو.

وقال أميري مقدم إنه لم يشهد خلال 15 عاما من تتبع الاحتجاجات وأوضاع حقوق الإنسان في إيران، غضبا كالسائد حاليا.

وقال في تصريح لوكالة فرانس برس بالإنكليزية “يبدو أنهم باتوا لا يخافون. أعتقد أن جريمة قتل مهسا كانت القطرة التي جعلت الإناء يفيض، لذا قد يكون الأمر بداية تغيير كبير”.

وأظهرت تسجيلات فيديو تم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي أن بعضا من المتظاهرات خلعن حجابهن وعمدن إلى حرقه.

وبحسب أميري مقدم “السبب هو أن الحجاب أصبح رمزا للجمهورية الإسلامية… شاهدنا صورا كثيرة لفتيات يخلعن حجابهن ويعمدن إلى حرقه”.

وتابع “ليس لأن لديهن مشكلة مع قطعة القماش، بل لأنها ترمز إلى القمع الذي يتعرضن له منذ 43 عاما”.

وتتفق منى السيلاوي مع فكرة أن الحجاب يعتبر رمزا للنظام، وبالتالي تعتقد أن هذا النظام القائم حاليا في طهران “لن يتنازل عن هذا الرمز بسهولة”.
 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *