التخطي إلى المحتوى

لم تحدّد جميعة المصارف في اجتماعها الأخير موعداً لعودة فتح الفروع لتبقي القرار رهن خطة أمنية تقول إن الاجهزة الامنية وعدت بأن تطبّقها مطلع الاسبوع المقبل، مع تأكيد وزير الداخلية والبلديات مراراً في الايام الماضية أنه لن يسمح بوضع العسكر في وجه المواطنين مطالباً المصارف باتخاذ الإجراءات الامنية والادارية الكفيلة بانتظام العمل في الفروع.

حتى الساعة يرفض موظفو المصارف العودة الى عملهم خوفاً من تجدد الاقتحامات التي شهدتها الفروع الاسبوع الفائت وما تعرض له هؤلاء من شتائم وإهانات وتعديات من المودعين خاصة أن المخاطر، بحسب المصادر المصرفية، ما زالت محدقة بموظفي المصارف وزبائنها الموجودين داخل الفروع في ظل استمرار ما تصفه هذه الاوساط بالجوّ التحريضي الذي يقف وراء هذه المخاطر والتهديدات، وغياب أية إجراءات أو حتى تطمينات من قبل الدولة والجهات الأمنية كافة بهدف تأمين مناخ آمن للعمل. حتى الساعة لا قرار واضحاً من جمعية المصارف وموظفي المصارف بالعودة الى فتح الفروع بشكل طبيعي، رغم المعلومات المؤكدة أن الاجهزة الامنية اتخذت قراراً بتشديد الإجراءات الكفيلة بضبط الامن خاصة حول الفروع المصرفية، فيما لم تتمكن جمعية المصارف من الحصول على ضمانات من الاجهزة الامنية بمنع أي اقتحامات محتملة للفروع مع الأخذ في الاعتبار حساسية الموضوع وإصرار وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي على عدم الوقوع في فخ المواجهة بين العناصر الامنيين والمودعين. كما لم تستبعد مصادر مصرفية أن تلجأ بعض المصارف الى اعتماد ما يمكن وصفه بالحماية الذاتية من خلال الاستعانة برجال أمن بكامل عتادهم لحماية الفروع. يصر موظفو المصارف على تأمين الأمن في مراكز العمل ولا سيّما أن التهديد باقتحام المصارف بقوّة السلاح ما زال يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي وتعود مصادره لتذكر بما نشره تجمّع المودعين في المصارف اللبنانية “نصيحة لكل المودعين الخميس يوم الهجوم على البنوك، اهجم حارب قاتل وحرّر أموالك، من يمتلك الشجاعة يحق له تحرير أمواله وله الأولوية”. وعادت نقابات موظفي المصارف لتطالب الأجهزة الأمنية بمُلاحقة مُطلقي هذه التهديدات التي توتّر الأجواء العامة وتشجّع على ارتكاب مُخالفاتٍ للقانون واستخدام السلاح لترويع العاملين في القطاع المصرفي، فيما يؤكد موظفو المصارف أنهم سيتحركون في الشارع مع التأكيد أن العودة إلى العمل مشروطةٌ بإقرار خطةٍ أمنيةٍ تضمن سلامة العاملين في القطاع المصرفي.
عموماً تستمر المصارف، برغم إقفال فروعها، في تأمين الحد الادنى من الخدمات المصرفية عبر الصرافات الآلية من خلال تأمين السيولة والسحوبات ضمن الكوتا الشهرية لكل مودع حيث يقوم مسؤولو الفروع بتغذية الصرافات الآلية كل صباح بالسيولة بالليرة اللبنانية وبالدولار النقدي مع إتمام عمليات صيرفة عبر الصرافات. كما تُجمع الشيكات التي يجري إيداعها في هذه الصرّافات ولكن دون تحصيلها حتى الساعة مع توقف المقاصة بين المصارف نتيجة الإضراب.

وبالنسبة للرواتب والأجور والمساعدة الاجتماعية التي تم تحويلها، فالمصارف صرفت هذه الاموال للمستفيدين منها ضمن السقوف الشهرية المسموح بها، ولكن المشكلة تكمن في رواتب القطاع الخاص الموطّن والفواتير الموطنة التي يجب تسديدها ولا يمكن إنجازها عبر الصرافات الآلية، وهذا الامر أيضاً يشمل أقساط المدارس والجامعات التي يجب تسديدها نقداً في الفروع المصرفية في العديد من الاحيان. وتنفذ المصارف وإداراتها بعض الحوالات التي تتم أونلاين والتحاويل بين حسابات الشركات كما تستمر المصارف بإنجاز العمليات المالية مع مصرف لبنان خاصة في ما يتعلق بمنصة صيرفة وتأمين الدولارات للسوق، ما سمح باستمرار تأمين الدولارات. ولم ينعكس إقفال المصارف ارتفاعاً كبيراً على سعر الدولار في السوق السوداء.

ورغم إتمام هذه العمليات، فإن ما يحصل حالياً هو ترقيع لتمرير الوقت، فلا يمكن استمرار إقفال المصارف وفروعها رغم تواجه عدد محدود جداً من الموظفين داخل هذه الفروع يعملون وراء الاسوار الحديدة خوفاً من اقتحامها. ومن الضروري الإسراع في معالجة موضوع الودائع في القطاع المصرفي وإعطاء الضمانات اللازمة للمودعين على اختلاف حجم ودائعهم والتوقّف عن إطلاق خططٍ تعفي الدولة من تحمّل مسؤولياتها.

وتعليقاً على آخر التطورات، أشارت المستشارة القانونية لجمعية “أموالنا لنا” المحامية مايا جعارة إلى أن سياسة تمرير الوقت لتذويب أموال المودعين معطوفة على خطة تعافٍ يبدو أنها تطمح لشطب جزء كبير ممّا بقي، هي التي أوصلت الى هذا التأزم المفتوح على كافة الاحتمالات.

وأشارت جعارة الى أن جمعيات المودعين هي الاكثر حرصاً على القطاع المصرفي وكلّنا يدرك دوره الحيوي فهذا القطاع هو رافعة أساسية للنمو الاقتصادي ولا اقتصاد بدون مصارف. إلا أن ما نشهده اليوم مغاير تماماً، فالقطاع المصرفي أصبح متوقفاً عن أداء نشاطه الطبيعي. فالمصارف متوقفة حتى عن إتمام الخدمات البدائية والبديهية، ووصل بها الامر الى تعميم رفض إيداع الشيكات في حساب عملائها إلا لبعض المحظيين، ضاربة عرض الحائط بالمذكرة رقم 2020/14 والقرار رقم 13405 تاريخ 2022/01/25 اللذين يلزمانها بإيداع هذه الشيكات، فأضحت تعطّل حركة التداول والدورة الاستهلاكية فأصبح هذا القطاع عبئاً على الاقتصاد ومدمّراً للمجتمع. حتى إنه وصلت الحال الى حدّ امتناع المصارف عن إجراء عمليات تحويل داخلية بين الحسابات، كما أن العديد من المصارف لا تتقيّد بالتعاميم غير القانونية أصلاً عندما لا تكون من مصلحتها. والانكى من كلّ ذلك هو إقدام المصارف تعسفياً على إقفال حسابات العملاء دون وجه حق إذا ما تذمّروا من سوء المعاملة. وها هي أخيراً تحت ذريعة اقتحام خمسة فروع في يومٍ واحد تنتقم من كل المواطنين بإغلاق أبوابها مكبّدةً إيّاهم خسائر كبيرة غير آبهة بالأضرار المتأتية عن ذلك. لا بل والاخطر من ذلك تكريس المصارف قاعدة خطيرة وهي أنها لا تردّ الوديعة إلا تحت ضغط القوّة.

ورأت جعارة أن توقف المصارف عن الدفع أصبح واقعاً لا يمكن تجاهله ودراسة قانون لإعادة هيكلة المصارف لا يبدو أنها سيبصر النور قريباً نظراً للعراقيل التي يتعرّض لها، لذلك توجهنا لإقامة دعاوى توقف عن الدفع عملاً بالقانون 2/67 التي من شأنها إيصالنا الى إعادة الهيكلة واستعادة أموال بعض من أصحاب القرار في المصرف الذين تبيّن ارتكابهم أخطاءً جسيمة وتوظيفات خاطئة ومتهوّرة طمعاً بالربح السريع والكبير، مما قد يساعد على استعادة أكبر قدر من أموال المودعين. واعتبرت أن الطريق الإلزامي لبداية حلّ المشكلة يكمن في إقرار جمعية المصارف بحقوق المودعين كدينٍ عليها وإقرار جدولة لإعادة أموال المودعين بعملة الإيداع تتّسم بالشفافية والوضوح والمدى الزمني المحدّد. ولفتت جعارة الى أن المودعين لا يريدون تكبّد خسائر إضافية بعد اليوم، ولا سيما أن القدرة الشرائية باتت معدومة فلبنان في المرتبة الاولى على مؤشر البنك الدولي لتضخم أسعار الغذاء. فاقترحت جعارة أن يصار الى حين صدور خطة التعافي وسلّة القوانين الإصلاحية التي طال انتظارها، البدء منذ الآن بدفع مبلغ لا يقلّ عن 1000 دولار بعملة الإيداع لكلّ مودع وذلك من شأنه تخفيف الاحتقان.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *