التخطي إلى المحتوى

لم يرخ إنجاز اتفاق ترسيم الحدود حتى الآن أجواء التهدئة في البلاد. ولم ينعكس على أي من المسارات أو الاستحقاقات الأخرى. لا بل إن الانقسام لا يزال مستمراً، وآخذ في التوسع، خصوصاً أن ثمة طرفاً يعتبر نفسه غير معني بملف الترسيم، ولديه اعتراضاته، فيما الطرف المعني ينسب الانتصار لنفسه، ويسعى إلى الاستثمار بنتائجه سياسياً.

يبدو رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل صاحب الحركة الأسرع في التحضير لأرضية ذلك الاستثمار. قبل أيام، قال باسيل إنه لا يزال منفتحاً على النقاش حول التوافق على شخصية لرئاسة الجمهورية، ولكنه توجه إلى الكتل الأخرى بالقول: “لا تدعونا نغيّر رأينا”. وهذه تعني فتح الباب أمام احتمال إعلان ترشيحه. يعرف باسيل أن حظوظه غير متوفرة الآن، لكنه نجح في فتح خطوط ومسارات متعددة مع الأميركيين.

حصة بـ”الرئيس التوافقي”
في مثل هذه الحالات، يمكن للأميركيين منح استثناءات كثيرة. فإلى جانب فتح الصلات المباشرة مع واشنطن، يستمر باسيل في التشبيك شرقاً وغرباً، وثمة اتصالات يجريها مع جهات متعددة مؤثرة إقليمياً. يعمل باسيل بهدوء على الوصول إلى رئيس “توافقي” تكون له الحصة الأكبر فيه. لذلك هو رفض منطق التوافق على سليمان فرنجية وقائد الجيش صراحة. فهو يعتبر أن فرنجية في حال انتخابه سيعمل على قضم النفوذ الباسيلي الذي تم تأسيسه. أما انتخاب قائد الجيش جوزيف عون لرئاسة الجمهورية فهو أكثر ما يخيف باسيل، نظراً لموقف قائد الجيش وإدارته للأزمة في البلاد، وعلاقاته الجيدة مع الجميع في الداخل والخارج. والأهم هو أن قائد الجيش سيكون حينها قادراً على استقطاب الكثير من نواب التيار الوطني الحرّ، والكثير من جماهيره، فالتيار في مرجعيته وحيثيته الأصلية هو تيار الجيش والمؤسسة العسكرية. ومجيء ابن المؤسسة وقائدها سيعني إضعاف باسيل إلى حد بعيدة.

بارود وما يشبهه
من بين الأسماء التوافقية التي يحاول باسيل التفاوض حولها هو اسم الوزير السابق زياد بارود، أو شخصية أخرى مشابهة لنموذج بارود. ولذلك يعمل باسيل هنا على خطين، خط رئاسة الجمهورية وخط تشكيل الحكومة. لذلك لم يكن اختراعه لورقة الأولويات الرئاسية صدفة، إنما “صناعة” هدفها ترطيب الأجواء مع نبيه برّي وبعد مساعٍ من حزب الله. هكذا يمكن تبرير اللقاء بين باسيل وبرّي. وقد كان موقف باسيل من عين التينة لافتاً في تحولاته وكلامه حول أهمية التوافق والتفاهم مع رئيس مجلس النواب. ويبدو أن باسيل بات يعلم وبتبليغ من حزب الله بأنه لا يمكن تحقيق أي شيء لصالحه في ظل هذا العداء المفرط تجاه رئيس المجلس النيابي، سواء بالرئاسة أو بالحكومة.

قائد الجيش لضبط الوضع
مسارعة باسيل للاستثمار في الترسيم سيكون لها معارضتها الداخلية، على وقع الانقسام المستمر حول هذا الاتفاق. أما مع دخول لبنان في الشغور الرئاسي، فبحال تم تشكيل الحكومة ستكون عبارة عن حلبة صراع مفتوح بين باسيل من جهة ورئيس الحكومة من جهة أخرى. أما بحال الدخول في الشغور من دون تشكيل الحكومة، فإن لبنان سيكون مقبلاً على تطورات سوداوية لن يستثنى فيها الجانب الأمني، وصولاً إلى نوع من الصدام سواء على الساحة المسيحية أو في غيرها. أي سياق من هذا النوع حتماً سيصب لاحقاً أيضاً في صالح التوافق على قائد الجيش، لأنه الوحيد الذي سيكون قادراً على ضبط الوضع.

ثمة من يعتبر أن تداعيات ملف الترسيم لم تمرّ داخلياً بعد. صحيح أن هوكشتاين سيكون في بيروت الأسبوع المقبل، وسيلتقي برئيس الجمهورية ميشال عون، الذي سيوقع على الملحق الأول في الاتفاق ريثما تتم إحالته إلى الناقورة، ليذهب الوفد اللبناني إلى هناك ويتولى التوقيع على كامل صفحات الاتفاق وملحقاته، ويتم تسليمه للأميركيين، الذين بدورهم سيسجلونه في الأمم المتحدة.. لكن ما بعد هذا التوقيع، ستستحضر مواقف سياسية متعددة تتناول ملف سلاح حزب الله، وأنه لم يعد من حاجة له. وهذه ستكون ضمن سياق واضح ومرسوم هدفه إعادة طرح ملف السلاح على طاولة التفاوض، ما قد يؤدي أيضاً إلى تصعيد المعركة السياسية، وربما إلى توترات أمنية.. فيما الخلاصة ستكون في ضرورة التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، رئيس يكون قادراً على البحث جدياً في الاستراتيجية الدفاعية.

وهنا أيضاً يستحضر اسم قائد الجيش جوزيف عون. 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *