التخطي إلى المحتوى

تشرين الاول ليس شهر الاستحقاقات اللبنانية الدستورية فحسب، بل هو أيضاً موعد سنوي ينتظره المزارعون لقطاف الزيتون بعد «الشتوة الأولى» التي تزيد حجم حبات الزيتون وتزيد معها محصول الزيت المعصور.

صحيح أن المطر تأخر قليلا عن موعده هذا العام، لكن المزارعين لم يخلفوا موعدهم، ومثلهم أصحاب المعاصر الذين أعدوا مكابسهم لاستقبال حبات الذهب الأخضر.

موسم قطاف الزيتون «طقس» عائلي أكثر منه مصدر رزق بالنسبة الى الكثير من العائلات اللبنانية، هو مهرجان سنوي للعودة إلى ارض الآباء والأجداد، يتشاركون فيه لملمة حبات الزيتون وتعبئتها في أكياس او صناديق، قبل نقلها إلى المعصرة لاستخراج الزيت منها ووضعه في صفائح، تحضيراً للتخزين للاستخدام المنزلي أو للبيع بحسب المحصول.

وزيت الزيتون هو زينة المائدة اللبنانية والعربية.. و«شيخ السفرة» الحاضر دائماً، منفرداً، أو مندمجاً في أصناف كثيرة من المأكولات كالتبولة والسلطات والمتبلات.

لكن هذا العنصر الغذائي اللذيذ والمفيد في آن، الذي كان من أساسيات المونة، انحسر عن موائد اللبنانيين في السنوات الأخيرة، او دخل في لعبة التقنين أسوة بغيره من السلع نتيجة انهيار العملة الوطنية وارتفاع سعر صرف الدولار. وبعدما كان سعر الصفيحة (16 ليتراً) قبل الانهيار المالي 150 الف ليرة، اصبحت اليوم تباع بسعر وسطي مئة دولار، وقد تصل في بعض المناطق إلى 130 دولاراً، ما يساوي أكثر من 5 ملايين ليرة، أي ضعفي راتب الموظف في القطاع العام الذي لا يزال راتبه دون أي تعديل.

كلفة العمالة

تقول جورجيت المعلوف التي تملك 60 شجرة زيتون، وهي أرملة وأم لخمسة شبان يقطنون جميعاً في بيروت وضواحيها، إن موسم الزيتون، بقدر أهميته وغلاوته على قلبها الا أنه يحضر مترافقاً مع هم كبير. فهي مضطرة الى الانتقال من بيروت الى البقاع الغربي لقطف المحصول، الأمر الذي يرتب عليها أعباء مالية تبدأ باستئجار غرفة لعدة أيام، واستئجار عمال للمساعدة في القطف، ولا تنتهي بنقل الزيتون الى المعصرة وتعبئة الزيت ومن ثم انتظار من يشتريه.

وتشكو جورجيت من المساومات التي تخضع لها عملية البيع، فالزبون يُصدم بارتفاع الاسعار عن السنة الماضية بنسبة كبيرة، غير مدرك للتكاليف التي يتكبدها المزارع، فأجرة عمال القطف (ومعظمهم من السوريين) ارتفعت إلى 500 ألف ليرة يومياً، ما عدا تأمين الطعام لهم واعطاءهم بدل النقل. وأسعار الأسمدة والاهتمام بالأرض من فلاحة وتشحيل وري التي باتت تلحق سعر صرف الدولار. أما بالنسبة إلى كلفة عصر الزيتون فباتت المعاصر تعتمد التسعير بالدولار وتطلب 10 دولارات عن كل صفيحة زيت، بسبب ارتفاع أسعار المحروقات. هذا فضلاً عن سعر عبوات البلاستيك التي يصل سعر الواحدة إلى نحو 5 دولارات.

تقول جورجيت، انها كانت مترددة هذه السنة وخطر في بالها ترك الزيتون من دون قطاف بسبب الكلفة المرتفعة، لاسيما أن الكمية قليلة لا «تقوم بمصاريفها». وتصمت قليلا قبل ان تضيف «لكني فكرت بإيجار البيت الذي اسكنه، فعندما لا يتوفر معي المال، أعرض على صاحب الشقة صفيحة زيت زيتون، فيقبل». حلت جورجيت معضلتها بعرض مغر على أبنائها، ومعظمهم موظفون في القطاع العام وفي السلك العسكري «من يذهب منهم لمساعدتها في القطاف يحصل على صفيحة زيت لقاء عمله»، بهذه المعادلة استغنت عن العمال الاجانب وأمنت لها ولأولادها مؤونتهم.

توقف التصدير

ولكن ماذا عن كبار المزارعين الذين ينتظرون هذا الموسم كمصدر رزق في ظل الانهيار الاقتصادي والمعيشي الذي يعاني منه اللبنانيون؟

يقول أحد تجار الزيت الكبار في منطقة الجنوب أن الموسم الحالي أفضل من العام الماضي لناحية الكمية والنوعية، إلا أن الكلفة ستكون عالية. فعدا عن ارتفاع أجور العاملين بالقطاف، وارتفاع كلفة العصر بسبب غياب الكهرباء وغلاء مادة المازوت لتشغيل المولدات الخاصة، ومصاريف العناية بالأشجار، تواجه المزارعين معضلة تصريف انتاج الزيت اللبناني، بعد توقف التصدير بشكل خاص إلى الدول العربية، وفي مقدمتهم السعودية التي كانت تعد اكبر مستورد، فضلاً عن التراجع في الإنتاج مقارنة مع السنوات العشر الأخيرة.

وبحسب الاحصاءات، تراجع تصدير الزيت في لبنان بنسبة %20 بسبب تدهور العلاقات مع الدول العربية. أما على الصعيد المحلي، أثرت الأزمة المالية وتدني قيمة العملة في استهلاك العائلات، وكذلك المطاعم والمؤسسات الغذائية، للزيت الأصلي. فمن كان يستهلك عدداً كبيراً من صفائح الزيت لجأ الى التقنين، ومنهم من يلجأ الى أنواع مستوردة أقل كلفة.

الزيتون

الزيتون من أقدم الزراعات في لبنان وأكثرها انتشارا. يعتبرها كثر من اللبنانيين شجرة مباركة يتوارثونها جيلاً بعد جيل. وبحسب الاحصاءات هناك ما يعادل 14 مليون شجرة تزيد كل سنة بسبب توجه المزارعين الى زراعة الزيتون كل عام، وتحتل نحو %5 من الاراضي اللبنانية، وتنتج هذه الأشجار سنوياً بين 100 و200 ألف طن من الزيتون.

يستخدم نحو %30 من المحاصيل زيتونا على مائدة الطعام، أما %70 المتبقية فيتم استخراج الزيت منها، حيث تراوح الكمية سنوياً بين 15 و25 ألف طن من زيت الزيتون، يصدر منها نحو 5 آلاف طن.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *