التخطي إلى المحتوى

سعيا منه لتجنب أزمة قبل شتاء قارص في برلين، يسعى المستشار الألماني، أولاف شولتس، لتأمين صفقات توريد الطاقة من دول الخليج من خلال زيارته للسعودية والإمارات وقطر تباعا.

ورغم أنه لم يوقع عقودا مع السعودية، نجح شولتس في إبرام صفقات توريد غاز طبيعي مسال مع الإمارات، في وقت يستعد فيه للذهاب إلى قطر سعيا وراء اتفاقيات أكبر.

ويسابق شولتس الوقت لإيجاد مورّدين جدد لتعويض شحنات الغاز الروسي التي ستنفد قريبا، فيما تستعد القارة العجوز لمواجهة شتاء صعب وسط نقص في الإمدادات. ويرافق المستشار الألماني في رحلته وفد كبير يضم ممثلين لقطاعات اقتصادية عدة بينها الطاقة.

ويرى محللون خليجيون تحدثوا لموقع “الحرة” أن دول الخليج الغنية بالطاقة تستطيع مساعدة ألمانيا لتعويض الطاقة الروسية التي توقفت تقريبا عن التدفق إلى برلين.

وتعيد العقوبات الغربية على روسيا توجيه كيفية تدفق الطاقة حول العالم، حيث إن ذهاب الإنتاج الروسي إلى الشرق، يرجح أن يصبح الخليج موردا أكبر للغرب، بحسب مجلة “الإيكونيميست”.

وقالت المجلة البريطانية إن منطقة الخليج ستظل على الأرجح مهمة في الشؤون العالمية خلال العقود المقبلة كما كانت في القرن العشرين. ويتوقع خبراء أن تشكل صادرات الخليج من النفط والغاز 20 بالمئة من الواردات الأوروبية، بدلا من 10 بالمئة حاليا. 

شراكة مدفوعة بـ “علاقات تاريخية”

والسبت، اجتمع شولتس بولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في جدة، بينما يلتقي، الأحد، برئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، فيما يختتم جولته الخليجية في قطر، الاثنين.

وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط، فواز بن كاسب العنزي، إن دول الخليج “تستطيع مساعدة ألمانيا على مواجهة الشتاء القارص”، لا سيما وأنها ترتبط مع برلين بـ “علاقات تاريخية قديمة”.

وأضاف المحلل السعودي أن “الشراكة تدفع السعودية لمد يدها لألمانيا في تصدير جزء من الطاقة التقليدية وكذلك وقطر لديها من الغاز الوفير ويمكنها المساعدة”.

كما أن زيارة شولتس تعكس “العلاقات التاريخية” بين ألمانيا ودول الخليج التي تعتبر مركز ثقل في مجال الطاقة، في وقت تعتمد فيه المملكة على استيراد بعض الصناعات الألمانية، وهذا يدفع الرياض إلى “الحفاظ على أمن الطاقة العالمي” جراء الحرب الروسية على أوكرانيا من خلال مساعدة ألمانيا، كما يقول العنزي في حديثه لموقع “الحرة”.

ولم يصدر بيان عن فحوى لقاء المستشار الألماني بولي العهد السعودي، لكن قناة “إن تي في” الألمانية نقلت عن شولتس قوله: “لدينا علاقات اقتصادية وسياسية طويلة الأمد مع المملكة العربية السعودية، لذا من المهم … تواجدنا هنا اليوم وفي المحطات الاخرى من جولتي لمواصلة الحديث عن تطور المنطقة وفرص العلاقات الاقتصادية، ولكن أيضًا التحديات السياسية التي تنتظرنا”.

في الإمارات، يرى المحلل السياسي، محمد تقي، أن أبوظبي يمكنها دعم ألمانيا في مجال الطاقة “بناء على المصالح المشتركة كما حدث تماما مع فرنسا”.

وقال لموقع “الحرة” إن أبوظبي “في مرحلة تعزيز العلاقات” مع برلين، مرجحا أن تضع القيادة الألمانية الحالية “مصلحتها فوق أي اعتبار”.

وبعكس زيارته للسعودية، وقع شولتس في الإمارات اتفاقية تنص على تزويد البلد الخليجي الغني بموارد الطاقة، الدولة الأوروبية بالغاز المسال والديزل في عامي 2022 و2023، حسبما أفادت وكالة الأنباء الحكومية الإماراتية.

وتنص الاتفاقية على تصدير شحنة غاز طبيعي مسال إلى ألمانيا أواخر عام 2022 ثم توريد شحنات إضافية في 2023.

وأعلنت الوكالة استكمال عملية تسليم مباشر لشحنة من الديزل في سبتمبر الحالي، والاتفاق على توريد ما يصل إلى 250 ألف طن شهريا من وقود الديزل خلال عام 2023.

اتفاقيات اقتصادية أم انحياز سياسي؟

بالنسبة لقطر، سبق وأن دخلت برلين في محادثات سابقة مع الدوحة لشراء شحنات الغاز الطبيعي المسال دون التوصل لنتائج ملموسة.

ويوضح المحلل القطري، علي الهيل، ذلك بقوله إن “ألمانيا تريد توقيع عقود قصيرة الأجل، وقطر ترفض هذا لأن عقودها مع الصين والهند واليابان وكوريا تصل إلى 25 سنة ولهذا السبب لم يتم الاتفاق”.

وقال لموقع “الحرة” قبيل وصول شولتس لقطر، إن “ألمانيا والاتحاد الأوروبي هذه المرة ستعاني معاناة شديدة؛ لأن الشتاء يقرع الأبواب” في وقت توقفت فيه تدفقات الغاز الروسي.

وعلى الرغم من توقيع ألمانيا اتفاقية مع الإمارات، يرى المحلل القطري صعوبة “تعويض” الغاز الروسي بالنسبة لأوروبا إجمالا على اعتبار أن روسيا قريبة ويمكن أن تزود القارة عبر الأنابيب، فضلا عن توفر الكميات بكثرة و”السعر الرخيص للغاز الروسي مقارنة بالقطري والإماراتي والجزائري”.

وتساءل الهيل عن آلية نقل الغاز القطري إلى المانيا ثم تحويله إلى أوروبا، وهي مسألة “تطرح إشكالية معقدة”، لافتا إلى أن “نقل الغاز المسال في البواخر يستغرق وقتا طويلا بعكس الأنابيب”.

وينقل خط أنابيب “نورد ستريم 1” 55 مليار متر مكعب سنويا من الغاز من روسيا إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق، لكن روسيا أوقفت تدفقات الغاز في يوليو بسبب “عملية صيانة” كما تقول موسكو.

وقال الهيل إن الحاجة الى الغاز الروسي “تبقى الأمس والأفضل (للقارة الأوروبية) من الاعتماد على مصادر غاز أخرى”.

وجراء اجتياح قوات الكرملين لأوكرانيا في فبراير الماضي، بدأت أوروبا في البحث عن بدائل لمصادر الطاقة الروسية بعد أن استهدفت الدول الغربية موسكو بعقوبات صارمة.

وقال شولتس للصحفيين قبل وصوله الإمارات إن “التحدي الكبير الحالي هو بالتأكيد الوضع الذي يمر به العالم في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا. هذا له عواقب دولية”.

وأضاف: “لقد أوضحت أنه من المهم بالنسبة لنا أن ندعم أوكرانيا في الدفاع عن أمنها وسيادتها وأننا سنواصل القيام بذلك، وأن على روسيا أن تسحب قواتها”.

وتفتح تدفقات الطاقة الخليجية إلى ألمانيا الباب أمام تساؤلات جادة بشأن موقف دول الخليج السياسي من الحرب في أوكرانيا. 

كانت دول الخليج دعت إلى وقف الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية، لكنّها تجنبت توجيه انتقادات مباشرة إلى موسكو في ظل تنامي العلاقات الاقتصادية معها وخصوصا التعاون في مسألة إنتاج النفط عبر مجموعة “أوبك بلاس” التي تقودها السعودية وروسيا.

وبينما يتفق العنزي وتقي على أن أي تدفق لشحنات الطاقة إلى ألمانيا سيكون من باب “اقتصادي بحت”، يعتقد الهيل أن روسيا “ستنظر على أنه انحياز من الدول الثلاث مع الاتحاد الأوروبي الذي دخل طرفا مباشرا في حرب أوكرانيا”.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *