... التخطي إلى المحتوى

فاطمة عطفة (أبوظبي)

تشكل المكتبة، من أيام الكتاب الحجري والنقش على الصخور والخط على أوراق البردي، منارة الأجيال وينبوع اكتساب الوعي والاطلاع الواسع على كنوز الإبداع وتاريخ الحضارة، ومن لا يقرأ لا يتزود بدروس الماضي وتجاربه ولا يعرف طريق المستقبل. وحول دور المكتبات العامة في إضاءة العقول وإنجاز مقومات البناء والتطور، يقول د. عمر عبد العزيز، مدير الدراسات والنشر بدائرة الثقافة بالشارقة: كانت المكتبة العامة وما زالت حاضنة للذاكرة المعرفية، لأنها تعتبر بمثابة المدونة النصية والبصرية للتجارب والرؤى والاجتهادات والمقاربات، وما يطوف في الخواطر من سرديات إبداعية بأشكالها المختلفة، لهذا السبب تعتبر المكتبة العامة معلماً دالاً على الحضارة والمعرفة. وليس غريباً، والأمر كذلك، أن يشار بالبنان للمكتبات التاريخية والعصرية ذات المكانة الكبيرة، والأسماء في هذا الباب معروفة ومكرورة.

  • عمر عبد العزيز
    عمر عبد العزيز

ويضيف د. عبد العزيز مبيناً أن المكتبة العصرية الأكثر حداثة كغيرها من مكتبات التاريخ تتخاطفها المتغيرات والتحولات، مما يستدعي الإقرار بالضرورة الموضوعية التي لا مفر منها. وهو يذكر في هذا الباب، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الرقمنة والذكاء الاصطناعي والأجيال الجديدة من تقنيات الوسائط الرقمية ومفهوم الأرشيف العصري والمحفوظات السحابية من المراجع والمتون، والتفاعلية المعلوماتية المتصلة بالصوت والصورة والكتابة، والعلاقة الافتراضية بالمكان فيما يسمى بالواقع المعزز الذي تلا الواقع الموازي، وإمكانية تبادل المعارف والمعلومات بلمسة فارة رقمية، وانتقال الصورة ثلاثية الأبعاد بما يفسح الباب لفتوحات أجد وأشمل. ويرى د. عبد العزيز أن التطور ليس وليد عصرنا، ولكنه أكثر تسارعاً في عصر الرقميات العاتية. وذلك يقتضي منا المواكبة والنظرة المنفرجة للمعطيات الجديدة مع الاحتفاظ بكامل التقاليد الموروثة من تاريخ المكتبات.

  • محمد بن جرش
    محمد بن جرش

مجتمع المعرفة
يؤكد الكاتب والباحث د. محمد حمدان بن جرش على أن المكتبات العامة تعمل على ترسيخ قيمة الثقافة في المجتمع بقدر ما تستقبل من رواد، قائلاً: يشهد وطننا خطوات مهمة نحو مجتمع المعرفة، وهي خطوات بادية للعيان عبر القوانين والمبادرات التي يتم اتخاذها على مستويات الدولة كافة، من أجل تكريس مجتمع المعرفة كأفق مستقبلي. ويلفت ابن جرش إلى أن المجتمعات المعرفية تتبنى قيم العلم والثقافة والمحبة والتسامح، وهي القيم الحضارية الخالدة.
أما عن دور المكتبات وروادها في العمل تطوير المعطى الثقافي في عملية التنشئة، فيرى ابن جرش أن ذلك مرتبط بالبنى التي ينتمي إليها جيل الناشئة، وتلعب الأسرة دوراً مؤثراً في عملية التنشئة.
ويبين الباحث ابن جرش أهمية العمل البحثي الجاد لمعرفة السبل الأنجع في جعل الثقافة عنصراً مهماً من عناصر التنشئة، أو لجعل قضية التنشئة الثقافية مسألة مرتبطة بالعمل المؤسساتي الجماعي، والذي يمكن أن تنخرط فيه المؤسسات الأكاديمية والثقافية والبحثية والإعلامية. مؤكداً على أن التنشئة الثقافية عملية تكاملية، وهي ليست مسألة عفوية، وإنما مهمة جماعية، تحتاج إلى برامج ورؤى وخطوات عملية.

  • عبدالرحمن نقي
    عبدالرحمن نقي

دور رائد
يقول الإعلامي عبدالرحمن نقي، عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات: ما من شك أن للمكتبات منذ مهد التاريخ دوراً رائداً في تقديم المعرفة للبشرية من خلال عواملها المتعددة في ترسيخ الثقافة في المجتمعات، موضحاً أن مكتبات اليوم الحديثة تنوعت أدوارها في ترسيخ القراءة من خلال مجموعة الحوافز التي تقدمها لجمهورها ومرتاديها، سواء من خلال المسابقات والجوائز أو تعزيزها في المدارس والجامعات للطلبة المتميزين في التردد عليها والقراءة والاطلاع. ويلتفت نقي إلى حوافز ارتياد المكتبات قائلاً: لنا في جوائز الإمارات العربية للقراءة المثل الأقرب ما تحفز به الأجيال على مواصلة القراءة واكتساب سعة الاطلاع. ويضيف: للمدرسة والبيت دور رائد في توجيه الناشئة إلى ارتياد المكتبات لتعزيز روح القراءة لدى الأجيال بالقدوة أولاً ثم التشجيع والتحفيز على مستوى الصف والأسرة والزهو والفخر بالمطلعين من الأبناء.

  • مني بو نعامة
    مني بو نعامة

خير جليس
من جانبه يشير د. مني عبد القادر بونعامة، مدير إدارة المحتوى للنشر بالشارقة، إلى أن المكتبة تمثل عالماً جميلاً يكتنز ذخائر الكتب ودررها على اختلاف موضوعاتها ومجالاتها، وهي المكان الذي تألفه النفس ولا تأنفه، ومكان للتعلم والنهل من معين الثقافات الأخرى، والاطلاع على تجارب الأمم الغابرة والشعوب الحاضرة وما تزخر به من ثراء وتنوّع.
ويتابع د. بونعامة: بالمكتبات يقاس مدى تحضر الشعوب وتطورها، إذ لا تطور بدون القراءة، ولا تقدّم بدون المطالعة، فهي مفتاح المعرفة وأداة لإذكاء وعي الشعوب، كما تعد القراءة وسيلة ناجعة لصقل المواهب وتنمية المدارك وتقوية الخبرات واللحاق بركب الأمم المتطورة والشعوب المتحضرة. ويضيف موضحاً أن المكتبة تحقق عوامل النهوض والتقدم والازدهار، لذلك نجد ارتباط الإنسانية منذ القدم بالمكتبات على اختلاف اختصاصاتها وموضوعاتها، لكن ذلك لا يعني أن تظل المكتبة تعيش في عصورها الغابرة بعيدة عن الفترة الحاضرة، التي أفرزت العديد من التقنيات التكنولوجية التي ترتقي بأداء المكتبات وخدماتها المقدّمة للزوار والرواد، بل لا بد اليوم من انفتاح المكتبات على معارف العصر، والاستفادة منها في تطوير الخدمات ومواكبة المستجدات، فثمة أجهزة ووسائل تقنية كثيرة طوّرت مكتبات على مستوى العالم، بينما ما تزال مكتبات عربية عديدة تعيش في الماضي، وتغالب عوادي الزمن.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *