... التخطي إلى المحتوى

على عكس القول المعروف “دوام الحال من المحال”، فإن تغيُّر حال مسار الدولار التصاعدي يبدو من المحال، “ويِنزَل نزول، مش معقول”، إذ لم يطرأ أي تبدُّل نوعيّ في السياسات العامة والاقتصادية والمالية التي أدَّت إلى اندلاع الأزمة، من دون إقرار أي إصلاحات جدية ونوعية كنقطة انطلاق واجبة لبدء الخروج من المأزق.

وسجَّل سعر الدولار في السوق الموازية، حتى ظهر أمس الاثنين، نحو 38.600 ليرة، فيما افتُتح الأسبوع الماضي على سعر 35.300 ليرة تقريباً للدولار الواحد. وكل التوقعات، انطلاقاً من المعطيات القائمة، تُنبئ باستمرار تحليق الدولار، بسرعات متفاوتة، تبعاً للتطورات والتوترات السياسية وتأثيراتها النفسية، فضلاً عن سرعة تدحرج الانهيار المالي والاقتصادي.

ويؤكد رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، الدكتور باتريك مارديني، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “الارتفاع في سعر الدولار الذي شهدناه في الفترة الأخيرة، هو استكمال للمسار الذي بدأ أواخر العام 2019، ولا يزال مستمراً إلى اليوم، وسيواصل على المنوال ذاته في المديين القريب والمتوسط”.

ويشدد، على أن “أحد الدوافع الأساسية لارتفاع الدولار، هو العجز في الموازنة العامة. أي أن الحكومة لديها نفقات أعلى من الإيرادات. بالتالي، من أين ستأتي الحكومة بالأموال لتأمين الفارق في النفقات التي لا تغطيها الإيرادات الضريبية؟”.

ويوضح، أنه “تاريخياً، كانت الحكومة تلجأ للاستدانة، إما من المصارف اللبنانية أو من الأسواق الدولية. لكن منذ تخلُّف الحكومة، لأول مرة في تاريخ لبنان، عن سداد سندات اليوروبوند في آذار العام 2020، فقدت القدرة على الاستدانة. بالتالي، الوسيلة الوحيدة اليوم، والتي من خلالها تقوم الحكومة اللبنانية بتمويل فائض نفقاتها، هي عبر العرض النقدي وزيادة حجم الكتلة النقدية، أي من المصرف المركزي”.

ويؤكد مارديني، أن “هذا الأمر يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار. لأنه في النهاية، الدولة تأخذ الليرات من مصرف لبنان وتدفعها معاشات ومساعدات ومصاريف لتشغيل المؤسسات العامة، إلى ما هنالك. أي أن الأموال بالليرة تصل إلى أيادي المواطنين، الذين يقومون بدورهم بتحويلها إلى دولار، إما لفقدانهم الثقة بإمكان محافظة الليرة على قدرتها الشرائية وقوتها، أو لاستيراد السلع والبضائع والمواد الأساسية على اختلافها، بالتالي ستتحوّل الليرات التي يتم ضخّها في السوق إلى دولار. لذلك، عجز الموازنة العامة يؤدي حُكماً إلى انهيار الليرة وارتفاع الدولار”.

ويضيف، “إذا نظرنا إلى المناقشات الحاصلة حول موازنة العام 2022 في مجلس النواب، نلاحظ أن الحديث ليس عن تخفيض العجز الكبير فيها، إذ إن السبب الأساسي لهذا العجز هو زيادة المخصصات والمساعدات للموظفين ثلاثة أضعاف، وهو غير مموَّل، ولا إيرادات لدى الدولة لتمويله، وسيموَّل عن طريق التضخم وانهيار سعر الصرف”.

وينوِّه، إلى أن “الحكومة حين تقدَّمت بالموازنة العامة للعام 2022، ضمَّنتها توقعاتها بالنسبة للعجز بقيمة 10.2 تريليون ليرة. وتغيَّر الرقم بعد التعديلات التي أُدخلت على الموازنة في لجنة المال والموازنة النيابية، إذ حاولت جعل الأرقام واقعية أكثر، وقدَّرت العجز بـ13.5 تريليون ليرة”، لافتاً إلى أن “هذا العجز، بالليرة اللبنانية، قياسي في تاريخ لبنان”.

ويلفت، إلى أنهم “قدّروا العجز بـ13.5 تريليون ليرة في حال كان سعر الدولار الجمركي 12.000 ليرة، و12.7 تريليون ليرة إذا كان الدولار الجمركي بـ14.000 ليرة”، معرباً عن اعتقاده بأن “الإيرادات المتوقعة من الدولار الجمركي مبالغ فيها، في الحالتين، لأن رفع الدولار الجمركي سيحفِّز على التهريب، والناس التي كانت تصرِّح بشكل شفاف ستلجأ إلى التهرُّب الجمركي، الأمر السهل في لبنان نظراً للفساد المعروف”.

ويرى مارديني، أنه “في حال تم رفع الدولار الجمركي، حتى الذين لا يريدون التهرُّب جمركياً سيُضطرون إلى إقفال مؤسساتهم، لأن النشاط الاقتصادي في حالة سيئة أساساً، كم بالحري حين يتم رفع الضرائب أو زيادة التعرفات الجمركية في عزِّ الانهيار؟”، مشدداً على أنه “لكل هذه الأسباب، الإيرادات المتوقعة مبالغ فيها جداً، ونسبة العجز ستكون أعلى بكثير من المقدَّرة”.

ويوضح، أن “الانطباع الذي تكوَّن لدى الأسواق والناس بأننا نذهب في هذا الاتجاه، وسيتم تمويل العجز من خلال التضخم وزيادة الكتلة النقدية، دفع من يملكون الليرة للتهافت على شراء الدولار لأنه سيتم طبع المزيد من الليرة وستفقد قيمتها أكثر”، لافتاً إلى أن “هذا ما أدى إلى ارتفاع سعر الصرف في الفترة الأخيرة”.

ويؤكد مارديني، أنه “طالما هناك عجز في الموازنة العامة، وطالما لم تقم الحكومة بالإصلاحات الواجبة لضبط نفقاتها وتخفيضها، بل تتوغَّل أكثر في زيادة النفقات، بالتالي انهيار الليرة سيتواصل وارتفاع الدولار سيستمر، وسنبقى في هذه الدوامة الجهنمية التي تودي بنا إلى الأسوأ”.

أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية  ​

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *