... التخطي إلى المحتوى

لا تعنّت يمكن أن يقف متصدياً للإرادة الأميركية. تلك الخلاصة التي يمكن تكوينها بفعل الوصول إلى اتفاق ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان. فلا إيران ولا حزب الله وإسرائيل يقفون في مواجهة أو يصعّدون، لإعاقة أي أمر يشكل أهمية بالنسبة إلى المصالح الدولية التي تتحكم بكل المسائل، ما يزكّي موقف المجتمع الدولي في تحقيق ما يريده.
فعلى الرغم من الاعتراضات الإسرائيلية السابقة على الملاحظات اللبنانية، وعلى الرغم من الضغوط الكبرى التي تعرضت لها الحكومة الإسرائيلية من قبل المعارضة، عادت واشنطن ونجحت في فرض رؤيتها.
هنا وأمام المصالح وحتى الأيديولوجيات والمواقف الأخرى، جميعها لا بد لها أن تنحني أمام لعبة الدول وأمام لعبة السلطة. مثل هذا الاتفاق سيكون بحاجة إلى قراءات ومتابعات مكثفة لاكتشاف تداعياته وانعكاساتها. لا سيما أنه يشير إلى تحول في مسار وانتقال إلى آخر.

“الجارة الجنوبية”
بداية لا بد من التساؤل هل أن لبنان اتخذ قراراً بترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي، نيابة عن الشعب الفلسطيني، أو على اعتبار أن اسرائيل دولة انتداب تنوب عن الفلسطينيين؟ هذا واحد من أسئلة كثيرة لا بد من طرحها، بأبعادها الخطيرة، وتشمل أيضاً مصير قانون مقاطعة إسرائيل، أو ما هو واقع الصراع مع اسرائيل؟

مما لا شك فيه أن لهذا الاتفاق تداعيات سياسية وعسكرية، وبطريقة ما ثمة اعتراف بإسرائيل كجارة جنوبية، لا يمكن اعتبار أن الترسيم يحصل مع إسرائيل نيابة عن فلسطين المحتلة، ولو كان كذلك، فهذا يحول اسرائيل إلى دولة انتداب لا احتلال.

دور السلاح
السلاح الذي يملكه حزب الله سيكون في حالة استراحة، ولا يمكن استخدامه على الجبهة الجنوبية، بعد الدخول في مرحلة تحيل الجنوب اللبناني إلى ساحة تهدئة لا ساحة مواجهة مفتوحة أو تصعيد. طريقة تعاطي شركات النفط الكبرى مع هذا الملف بما فيها شركة توتال، تبقي سؤالاً مفتوحاً حول كيفية الاستخراج والتصدير، وإذا ما كان النقاش سينتقل لاحقاً إلى ما يشبه التطبيع الاقتصادي غير الرسمي.

ومن لزوم الحفاظ على بعض من الدور والسلاح، كان لا بد من إبقاء منطقة بحرية معلّقة غير محسومة الوجهة، وهذه حاجة لإبقاء “الصراع”. كما هو الحال بالنسبة إلى فصل الترسيم البري عن البحري، وتأجيل ترسيم الحدود البرية. فحينها ستكون تداعياتها الأساسية والمباشرة مرتبطة بالسؤال عن سلاح الحزب ومصيره ومستقبله. ويجوز أيضاً وصف الاتفاق بأنه تنفيذ لاتفاقية الهدنة، فيما تركز المقاومة عملها على معادلة الردع، وليس القيام بالفعل المقاوم لتحرير مزارع شبعا مثلاً، إنما من أجل تحسين وضعية التفاوض في سبيل حلّ ملف الترسيم البري بعد البحري. فيكون السلاح عنواناً للتوازن في التفاوض. ومما قاله الأميركيون للإسرائيليين في إطار ضغوطهم لإبرام الإتفاق: “إن اسرائيل تسعى منذ العام 1983 إلى اتفاق مع لبنان فها هو الاتفاق وهذه هي فرصته”.

حقبة التطبيع
هي محطة لمرحلة أمنية سياسية جديدة، لا يفترض أن يحصل فيها أي تصعيد، لا سيما أن مجمل النقاش كان متركزاً على الضمانات الأمنية، أما بعدها فإن النقاش يتركز على آلية الإستخراج والتصدير، وكيفية سلوك المسارات. ويصلح مثل هذا التصور لتقديم رؤية جديدة إلى مستقبل المنطقة، التي على ما يبدو أن كل الضغوط تدفع باتجاه دخول الجميع في حقبة تطبيع بغض النظر عن إعلانه أو عدم إعلانه، وبغض النظر عن المواقف التي تركز على ممانعته. على الرغم من أن المفاوضات مستمرة منذ 11 عاماً، إلا أن الحدث الأوكراني هو الذي دفع إلى هذه التحولات الكبرى. وما جرى في لبنان حالياً، لا بد له أن ينسحب على الحقول النفطية قبالة غزة لاحقاً.

أحد أبرز الأسئلة المطروحة هو ماذا سيفعل لبنان عند وصوله إلى لحظة الاستخراج؟ وكيف سيعمل على تصدير نفطه، هل سيلتحق بتحالف دول شرق المتوسط “الذي أوقفه الأميركيون حالياً”؟ ممانعة التطبيع تفرض على لبنان رفض التشبيك مع الأنبوب الإسرائيلي عبر مصر، فيما هناك من يطرح صيغة تقول إن الشركات التي ستعمل على الاستخراج هي التي تشتري الغاز اللبناني، ليصبح ملكاً لها، فتكون حرة بالتصرف فيه. هذا الخيار أيضاً يعني تطبيعاً ضمنياً يتم الدفع باتجاهه على مراحل. 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *