... التخطي إلى المحتوى

ينشط فريق رئيس الجمهورية ميشال عون في آخر أسبوعين من عهده على تظهير الحلحلة على صعيد الملفات العالقة أو معظمها، التي كان يفترض أن تعالج في السنوات الست من الحكم. فبعد ملف ترسيم الحدود البحرية الذي سجله الرئيس ميشال عون ضمن لائحة إنجازاته وفريقه السياسي، أي التيار الوطني الحر ورئيسه، أعلن عون منذ أيام عن بدء تنفيذ خطة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم على دفعات بدءاً من نهاية الأسبوع المقبل. وهو ما دفع كثيرين إلى التساؤل عن جدية هذه العودة، خصوصاً أن ظروفها الفعلية غير مجتمعة بعد، فلا مؤشرات جدية من النظام السوري لتشجيع عودتهم، كما أن المنظمات الدولية لا تزال تدعم النازحين مادياً، وقد كان كلام المفوض الأوروبي لشؤون الجوار والتوسع أوليفر فالهيري واضحاً عندما أعلن قبل أيام قليلة من قصر بعبدا عن تخصيص 145 مليون يورو هذا العام للبنان من أجل مساعدته على التكيف مع الواقع الصعب الناتج عن وجود النازحين السوريين، مؤكداً مواصلة تقديم المساعدات في السنوات المقبلة. وقال المسؤول الأوروبي “آمل من خلال هذا الدعم أن يستمر لبنان في المهمة التي أخذها على عاتقه”.

لكن على الرغم مما حمله كلام المفوض الأوروبي من تأكيد على أن موقف الدول الأوروبية لم يتغير في شأن النازحين السوريين، بدا لافتاً تصميم المعنيين في لبنان على المضي قدماً بهذا الملف، حيث أعلن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم المكلف منذ عام 2013 بالتواصل مع الجانب السوري لوضع الآلية التقنية والفنية للعودة، التي بقيت حتى اليوم بأعداد خجولة حيث لم تتخط الـ485 ألف نازح، أن “لبنان لم ولن ينتظر الضوء الأخضر من أحد لاستئناف قوافل العودة الآمنة والطوعية”، ملمحاً إلى تغيير في المقاربة الدولية لهذا الملف جراء قوافل الهجرة غير الشرعية التي تطرق أبوابهم.  

حقيقة أم بروباغندا؟

موعد نهاية الأسبوع المقبل الذي حدده رئيس الجمهورية لاستئناف عودة النازحين السوريين إلى بلادهم سيعتمد بحسب المعلومات الآلية نفسها التي اعتمدت منذ عام 2017، وتكشف مصادر في الأمن العام اللبناني لـ”اندبندنت عربية” أن الدفعة الأولى ستضم 1600 نازح ممن وافق النظام السوري على السماح بعودتهم، وقد جهزت على الحدود باصات لنقلهم على وقع حملة إعلامية وصفها بعضهم بالبروباغندا الدعائية لما يسمى الإنجازات التاريخية.

عدد النازحين السوريين المسجلين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين هو مليون و400 ألف نازح، فيما يتحدث المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم عن أن عدد النازحين السوريين الموجودين حالياً يبلغ مليونين و80 ألفاً، ويشرح وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار لـ”اندبندنت عربية” أن من بين المليوني نازح سوري هناك نحو المليون متحرك لا تنطبق عليه صفة النازح، بحيث يدخل ويخرج من وإلى سوريا.

في المقابل، لا تزال العودة غير مؤمنة لأعداد كبيرة منهم، خصوصاً من أبناء مناطق القلمون والزبداني والقصير، لأسباب لها علاقة بالفرز الديموغرافي المذهبي الذي يعمل عليه النظام السوري، وتكشف مصادر أمنية عن تمركز “لواء فاطميون” و”لواء زينبيون” من الأفغان وباكستان الشيعة في هذه المناطق.

ويؤكد الخبير في شؤون اللاجئين والمدير التنفيذي لـ”ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ أن “هناك أكثر من 500 ألف نازح من مناطق الزبداني والقصير والقلمون قد سجلوا للعودة إلى مناطقهم لكن هناك من يعرقل عودتهم”، داعياً إلى “مصارحة الرأي العام حول الجهة المعرقلة وأسباب منع أبناء تلك المناطق من العودة إليها، خصوصاً أن بداية العودة تحل كثيراً من الإشكاليات”.

بعيداً من الموقف الدولي

عندما نسأل وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار عن توقيت البدء بعودة النازحين ومدى جديتها انطلاقاً من الشوائب المرتبطة بها بدءاً بالأرقام القليلة للعائدين، وصولاً إلى اقتصارهم على مناطق معينة دون غيرها، يجيب الوزير أن “رئيس الجمهورية عندما أعلن عن بدء عودة النازحين السوريين الأسبوع المقبل وعلى دفعات إنما أكد المؤكد، خصوصاً أن المراحل الأساسية للعودة قد تم تجهيزها منذ أشهر”.

يجزم الحجار أن “القرار السياسي قد اتخذ والتنفيذ بدأ”، ويشدد على الجدية في هذا الموضوع. وبحسبه فإن وحدة القرار هي التي أسهمت في إطلاق عجلة العودة، كما تمكنت وحدة الموقف من حسم ملف ترسيم الحدود البحرية، كما يقول.

ويشرح الحجار أن “وحدة الرؤية والإصرار على معالجة القضية، ورفع الصوت في بروكسل مع وزير الخارجية عبدالله بو حبيب عن عدم قدرة لبنان على تحمل مزيد من الأعباء المترتبة عن الوجود السوري في لبنان، والتحذير الذي أطلقناه عن أوبئة قد تتكاثر في المخيمات وتبلغ الحدود الأوروبية، كلها عوامل أسهمت في وضع الملف على السكة الصحيحة”.

ويكشف وزير الشؤون الاجتماعية المقرب من رئيس الجمهورية وفريقه، أن بعض الجهات في الخارج ولأسباب سياسية غير مرتاحة لتحريك الملف، معتبراً في المقابل أنه ليس هناك في الداخل من قد يتجرأ على الوقوف ضد العودة. ويضيف “فلنعلن بصراحة للمجتمع الدولي أننا لا يمكن أن نتحمل أكثر من ذلك”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أعباء مالية بالمليارات

مستنداً إلى النتائج التي تحققت في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، يؤكد الوزير في حكومة تصريف الأعمال أن “هناك تحولات في المواقف السياسية الخارجية”، ملمحاً إلى “أسباب معينة قد تسرع البت بملف النازحين السوريين، فلننتظر”.

ويرد حجار على المعترضين في الخارج مشترطين توفير العودة الآمنة بالقول “فلتفتح هذه الدول أبوابها للنازحين السوريين إذا كانت ترفض عودتهم، إن أي دولة أوروبية لن تقبل بأن تستضيف 40 أو 50 في المئة من اللاجئين الأوكرانيين فكيف بلبنان في ظل ظروفه الاقتصادية والاجتماعية الصعبة؟”. كاشفاً أن “الأعباء المالية التي يتكبدها لبنان جراء النازحين السوريين بلغت 40 مليار دولار”.

في المقابل، يعترض الحزب التقدمي الاشتراكي على هذه النظرية، ويؤكد في بيان أن “أسباب الأزمة المعيشية والاقتصادية اللبنانية معروفة، ولم تكن مسألة النزوح السوري واحدة منها، بل سوء سياسات وسوء الإدارة والهدر والفساد في عدد من القطاعات، وسوى ذلك ليس إلا تعمية لا تنطلي على أحد”.

يكشف حجار لـ”اندبندنت عربية” عن بعض ما شاهده خلال جولات ميدانية الأسبوع الماضي في مخيمات للنازحين السوريين في البقاع، ويؤكد أن بعضها يستضيف مقاولين ورجال أعمال، ومئات المواشي والغنم، كاشفاً عن وجود مسلخ ومصنع للحلويات.

ويؤكد أنه شاهد مئات الأطفال دون السنوات العشر يعملون في الأراضي الزراعية، متسائلاً “أين المؤسسات التربوية والمساعدات الدولية في هذا المجال؟ وأين حقوق الإنسان التي تستند إليها الدول في مقاربتها لهذا الملف؟”.

ويوضح حجار أن “أبسط مقومات النظافة غير مؤمنة في المخيمات”، منتقداً “اليونيسف” لعدم تأمينها المياه للمخيمات في ظل غياب أي معالجة للصرف الصحي أيضاً”. ويؤكد “نحن على فوهة انفجار صحي قد يؤثر أيضاً على البلد المضيف”.

الشعبوية تتحكم في الملف

تتفق جميع القوى السياسية في لبنان على مطلب إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، ويتماهى بعضها مع المطلب الدولي في توفير عودة آمنة لهم لضمان حياة للذين فروا من جحيم القهر والقتل.

يؤكد الخبير في شؤون اللاجئين زياد الصائغ، وهو الذي تابع رسمياً هذه القضية، أن “قضية النزوح السوري ما زالت تخضع للشعبوية والارتجال والديماغوجية من قبل المنظومة الحاكمة”، ويسأل “لماذا لم تتم صياغة سياسة عامة لحوكمة رشيدة لهذه القضية السياسية الإنسانية منذ استهلالها عام 2011؟ ومن منع إنجاز دراسة لقدرة لبنان الاستيعابية؟ وما الذي يعوق توحيد الأرقام الإحصائية لأعداد النازحين التي تخضع حين استعمالها لأغراض شعبوية؟ ولماذا تم تعطيل إنشاء مراكز إيواء حدودية تحت إشراف الأمم المتحدة لتفادي تشتت النازحين في المجتمع اللبناني؟”.

ويضيف “المعلوم أن عرقلة المراكز الحدودية تولاها كل من (التيار الوطني الحر) بحجة تحولها إلى مخيمات دائمة شبيهة بالمخيمات الفلسطينية تمهيداً للتوطين، و(حزب الله) الذي أراد إبقاء الحدود سالكة أمام إدخال السلاح وغيره من سوريا إلى لبنان ومن بيروت إلى دمشق”.

ويكشف الصائغ أنه لم يتم حتى الآن توقيع بروتوكول تعاون مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين يحدد الحقوق والواجبات وخريطة طريق التعاطي مع هذه الأزمة، ويسأل “من الذي منع تحديد من يمكن أن يعود وإلى أي مناطق وبأي ضمانات؟”، معتبراً أن “المجتمع الدولي فشل في إنتاج حل في سوريا حتى الآن، وقوى الأمر الواقع تفرض خياراتها على الأرض، من هنا ثمة خطر على نصف اللاجئين السوريين، إذ إن عودتهم ستكون في مهب رياح ومسارات ملتبسة”.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *